حذّر خبير المياه في المكتب الإقليمي لـ «منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (فاو) فوزي كراجة، من أخطار ندرة المياه في المنطقة، التي بدأت تظهر بوضوح في الكثير من الدول، ومن شأنها أن تضع القطاع الزراعي أمام تحديات كثيرة تؤثر مباشرة في الأمن الغذائي والاقتصاد الريفي. وقال في كلمة خلال «المؤتمر الدولي الثاني عشر لتطوير المناطق الجافة»، الذي تستضيفه «مكتبة الإسكندرية»، أن «المبادرة الإقليمية حول ندرة المياه، التي ترعاها «فاو» بالتعاون مع جامعة الدول العربية ستضع إطاراً محدداً تتحمل فيه كل دولة مسؤوليتها الفردية لحماية مواردها والتصدي المشترك لندرة المياه التي تؤثر في المنطقة كلها». وأضاف أن «إقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا يعتبر الأكثر تأثراً بندرة المياه لانخفاض حصة الفرد 60 في المئة خلال العقود الأربعة الماضية، كما ستنخفض 50 في المئة بحلول عام 2050». ولفت إلى أن «التغير المناخي زاد الأمور سوءاً، لزيادة وتيرة الفيضانات والجفاف الحاد، في حين سعت الفاو إلى مساعدة الدول على مواجهة التحديات الناجمة عن ندرة المياه، وأطلقت المبادرة الإقليمية حول ندرة المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ العام 2013، بهدف دعم جهود الدول الأعضاء في تحديد أولوياتها في مجال إدارة مياه الري من خلال مقاربة مبتكرة تعطي أولوية لتحقيق أقصى قدر من الفعالية لجهة الكلفة بين الخيارات المتاحة للإمدادات الغذائية». وتشجع «فاو» الدول على اعتماد خيارات استراتيجية لجهة المحاصيل التي تزرعها، والتي لا تصلح مع زيادة درجة الحرارة المتوقعة، وتطوير سلسلة الإنتاج لضمان الأمن الغذائي. وأكد كراجة أن «لا مفر من التكامل الزراعي العربي، كواحد من الحلول الجدية للاستفادة القصوى من التنوع الجيولوجي لجهة أنواع التربة الزراعية وخصوبتها»، داعياً إلى «التصدي لاكتساح مياه البحر للأراضي الزراعية، والملوحة التي تؤثر في التربة، من خلال اختيار محاصيل زراعية قادرة على تحمل هذه الملوحة». وشدد على «أهمية المراكز البحثية في إيجاد حلول علمية مستدامة، والعمل على وقف الزحف الملحي نتيجة الاستخدام غير المستدام للمياه الجوفية والتغييرات المناخية التي يتوقع أن تؤدي إلى ارتفاع مستوى مياه البحر في المنطقة». وقال إن «هناك توقعات بأن يقل تدفق نهر النيل بعجز يقارب 8 بلايين متر مكعب، نتيجة للتغيرات المناخية وإنشاء سد النهضة»، مشيراً إلى أن «الحكومة المصرية جادة في التغلب على تلك المشكلة وتعويض العجز، إذا حصل، ويتم حالياً التنسيق بينها وبين حكومتي السودان وجنوب السودان لتحسين مجاري المياه والاستفادة من المياه المهدورة». وشدد على ضرورة «التوصل إلى حلول في المفاوضات بين مصر وإثيوبيا حول مدة تخزين المياه خلف سد النهضة، حتى لا تتسبب تعبئة السد في السنوات الأولى في أخطار على حقوق مصر». وقال كراجة إن «مصر مرت بخطوات جيدة عبر السنوات الماضية لتحسين كفاءة استخدام المياه، ولكن ما زال هناك مجال لتعزيز الاستفادة ورفع كفاءة الاستخدام في شكل أفضل، إذ باستخدام الإدارة الرشيدة للمياه على مستوى الحقل يمكن توفير 30 في المئة من مياه الري». ولفت إلى أن «نصيب الفرد في مصر سنوياً من المياه أقل من 10 في المئة مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 600 متر مكعب سنوياً». وأكد أن «الدلتا لن تختفي من مصر بسبب التغيّرات المناخية كما أشيع، وهذه توقعات علمية غير دقيقة، وأكثر المناطق المتضررة تلك الواقعة قرب مدينة بورسعيد ويمكن مواجهة المشكلة من خلال إنشاء مجارٍ للصرف الزراعي لخفض كميات المياه المالحة من الأراضي الزراعية، وكذلك العمل على تقليل غزو مياه البحر إلى الدلتا بتطوير جدار مائي في المناطق الساحلية لوقف التقدم الملحي نتيجة الاستخدام المكثف للمياه الجوفية وكذلك ارتفاع مستوى البحر نتيجة التغييرات المناخية». وأضاف أن «العالم العربي لا يستطيع أن يحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء بسبب ندرة المياه»، واصفاً الوضع المائي بالحساس حالياً، حيث يستورد العالم العربي نحو 235 مليون طن من المواد الغذائية سنوياً، بما يتطلب 235 بليون متر مكعب من المياه على الأقل، وهي كمية غير متوافرة بسبب محدودية مصادر المياه في المنطقة». وأوضح أن «المنطقة تعاني ارتفاع معدلات الزيادة السكانية، إذ يصل إجمالي عدد السكان إلى 400 مليون، وبحلول عام 2050 سيصل إلى 600 مليون شخص، ما يسبب أزمة في الأمن الغذائي في المستقبل القريب إذا لم تتخذ تدابير مناسبة وتعقد شراكات إقليمية وعالمية». وختم كراجة: «يحتاج العالم العربي إلى مضاعفة إنتاج كمية الغذاء 3 مرات، ما يصعب تحقيقه إذ إن 65 في المئة من كميات المياه التي تستخدمها المنطقة العربية حالياً هي من خارج المنطقة، وتصعب زيادتها، والموارد المائية المتجددة في المنطقة محدودة، ومعظم المصادر المائية الجوفية يتم استنزافها وهي عرضة للتملح».