عام 1980 كتب عنه الروائي الأميركي جورفيدال سيناريو فيلم حفل بمشاهد لعنف رهيب، يفوق الخيال، وممارسات جنسية شاذة غير معهودة في تاريخ العلاقات الإنسانية، بل والحيوانية، وأغلب لقطات الفيلم تعج بأجساد عرايا تتلوى من شدة التعذيب والألم بصراخ تنفطر له القلوب! وكذلك صرخات التلذذ الجنسي تصدر من نساء ورجال يمارسون قمة ساديتهم. وبلغ الإفراط في مشاهد الفيلم -غير المعهود من قبل- ما دفع المؤلف وثلاثة من كبار نجوم الفيلم، وهم مالكولم ماكدويل، وبيتر أوتول، والسير جون جيلجد، إلى رغبتهم في عدم اقتران أسمائهم به، وبالفعل استبعد اسم جورفيدال، ولم يكن من الممكن استبعاد الممثلين من مشاهد الفيلم الغارقة بممارسة العنف المتسم بسادية غير مسبوقة. والفيلم مأخوذ من تاريخ قصة حياة "كاليجيولا" رابع الأباطرة الرومان، والذي تفوّق على سابقيه من الطغاة أمثال "تيريوس" و"نيرون"، الذي ذكره التاريخ، وذكر جنونه وطغيانه بصور مختلفة. ما يعنيني في هذا المقال ليس الفيلم، أو الظروف التي جعلت مجلة بنتهاوس تُشرف على إنتاجه، بل كيف استقبل الجمهور الفيلم؟ وما ردود أفعال عرضه أو منعه جماهيرياً أو قانونياً؟ فعند عرض "كاليجيولا" ثارت ضده أعداد كبيرة من المنظمات الأهلية، والمؤسسات الرسمية في مناطق متعددة من دول العالم. وبينما كانت قضية هذا الفيلم تثير زوابع على صدر الصفحات، طُلب إلى عالم اجتماع شهير أن يدلي برأيه في هذا الموضوع أمام محكمة في مدينة بوسطن. وما لفت انتباهي فيما قاله عالم الاجتماع أندرو هاكن: "أنه رغم امتلاء الفيلم بمشاهد العنف والإثارة الجنسية، فلا مناص من الاعتراف ببروز حقيقة سياسية مهمة ينطوي عليها الفيلم، مفادها أن تمتع الحاكم بالسلطة المطلقة يُفسد المجتمع فساداً مطلقاً، ومن ثم فليس هناك غبار على الهدف القابع وراء هذا الفيلم". بعد هذه الشهادة كتبت جريدة واشنطن بوست: "صحيح أن هذا الفيلم ينطوي على قيمة سياسية حقيقية، ومن ثم فلا يمكن الطعن ببذاءته"، وفي مارس عام 1984 أيدت المحكمة عرض الفيلم جماهيرياً للأسباب التي ذُكرت آنفاً، مضيفة "إن الفيلم لا يتضمن قيمة سياسية وفنية فحسب، بل أبعد ما يكون عن إثارة شهوة المشاهدين، إذ إنه يحفزهم على التقزز والاشمئزاز مما يشاهدونه...!". ما أروع الديمقراطية عندما تُخضع كل ما يصدر من أعمال لمفهوم حرية الإنسان، فهذا الفيلم الذي يصور حياة حاكم ماجن دكتاتور مثل كاليجيولا اعتبرته الديمقراطية عبرة على عدم التسليم بوضع يد الحاكم الفرد ليتحكم في الناس وفق مزاجه وشهواته...! المجد للديمقراطية.