بين المدينتين عشت ولهما في القلب معزة ولهما في الوجدان محبة، لم تتنافس المدينتان على قلبي وانما تقاسمتا محبته، فلم تكن الرفاع ضرة للمحرق ولم تكن المحرق ضرة للرفاع في فترة خصبة من الحياة. عشت المحرق القديمة وعشت فرجان لوّل أعرف دواعيسها وزرانيقها التي كانت وأنا مغمض العنين. تحدثت عن الأولى المحرق كثيراً، ولعل للرفاع حقاً في بعض حديث وبعض سطور وبعض ذكرى تمتد لاكثر من خمسةٍ وثلاثين عاماً عشت الرفاع الشرقي وعاشتني، وان كانت السنين اقل. لم اشعر الا بحب الرفاع الشرقي وأهلها وكانت الفترة التي سكنتها فيها عام 1981 وفي شهر يناير من ذلك العام لا تتجاوز الرفاع الشرقي حدود ما يُعرف بفريج الجلاهمة الذي استأجرت فيه بيتاً من صائغ الفضة المبدع والبديع في اخلاقه بوخلدون، عبدالرزاق الرومي ذلك الانسان الطيب. ولم يكن شارع البوكوارة وقتها قد عرفته الرفاع فقد كان الطريق فيه مظلماً في الليل اللهم الا من بيوت قليلة معدودة على الأصابع تقع على جانبي البوكوارة أو الشانزليزيه كما يسميه البعض الآن حيث يتعذر عليك المرور بانسياب من العصر حتى ساعاتٍ متأخرة من الليل حين يزدحم بالسيارات والمارة والعابرين إلى حيث المتاجر والمحلات والمطاعم. ومن كان يصدق او يتصور ان هذا الشارع الذي كان مظلماً ساكناً مطلع ثمانينات القرن الماضي سيتحول إلى كل هذه الحيوية والحركة على مدار الساعة. عرفت الرفاع الشرقي منذ أول اسبوع سكنت الرفاع حيث لم تكن هناك برادات كما نسميها شعبياً أو بقالات في المنطقة، حيث البقالات والبرادات آنذاك في السوق وهو الشارع الوحيد الذي يضج بالحركة ذلك الوقت. وللرفاع الشرقي والغربي في ذاكرة الطفولة عندي ذكريات فترة مطلع ستينات القرن الماضي عندما كنا والأهل في المحرق نزور جدتي في الغربي، وتشدنا فضاءات الرفاع المفتوحة على بر بلا حدود حيث ننطلق لعباً طوال النهار نادراً ما نبيت هناك، فنفترش الارض مساءً ونلتحف السماء بنجومها وهدوء صامت يحيط بنا ونحن نستمع إلى حزاوي الجدة رحمة الله عليها. وللدار العودة في الرفاع الشرقي لي معها ذكريات اذاعية وتلفزيونية حيث سجلت مقابلات للاذاعة وللتلفزيون لعدد من فنانيها كما سجلت لها لوحات شعبية، وقد رافقتها الدار العودة ورافقني فنانوها في احدى زياراتنا للكويت للمشاركة في موسم الصيف السياحي ايام المرحوم الاستاذ صالح شهاب رحمه الله، والذي كان صاحب مشروع سياحي صيفي بصفته وكيلاً مساعداً لشؤون السياحة بدولة الكويت. وتبقى المحرق ويبقى الرفاع جزءاً من رحلة العمر وتبقى المدينتان جزءاً لا يتجزأ من وجداني وذاكرتي وعطائي في المجال الاعلامي والصحفي والاذاعي والتلفزيوني. وتبقى لأصدقائي هنا وهناك مكانة يسعها القلب الذي احبهم فأحبوه، ولا استطيع ان اختار في الحب مدينة دون أخرى، تماماً كما لا نستطيع ان نختار في حبنا وطناً سوى البحرين في عشقنا الأبدي لها. ولا ندري هل يأتي يوم علينا أو بالأدق على احفادنا وقد اطلت حدود مدينة الرفاع على المحرق وان كانت حدود قلوب المدينتين مفتوحتين بلا سدود. لن أسهب في حديث تشدني فيه العاطفة واستميحكم عذراً في ان اطوي صفحتي وانا انظر في افق الرفاع فأرى المحرق وأرى ملاعب الطفولة واعود لاعانق في الرفاع كل هذه الذكرى.