صحيفة وصف :غطى غبار المعركة الدائرة في جرابلس أقصى الريف الشمالي الحلبي، على أم المعارك في ريف حلب الجنوبي-الغربي، الممتد باتجاه الكليات العسكرية وأحياء حلب الغربية. وبدأت تركيا أمس هجوماً على المدينة المحاذية لحدودها، بمعية مئات المسلحين من الجيش الحر كانت قد حشدتهم في بلدة قرقميش التركية الحدودية المقابلة لجرابلس السورية، قبل أن ينضم إليهم مئات من مسلحي الفصائل الأخرى، تم جلبهم من جبهة جنوب-غرب ريف حلب ممن كانوا دائما رهن إشارة تركيا، التي أمرت هؤلاء بالتوجه إلى جبهة جرابلس، وأمام ناظريها هدفان مستعجلان: الأهم خطف المبادرة من قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، وقطع الطريق عليها في زحفها غرب الفرات باتجاه عفرين، وبالتالي منعها من سعيها المحموم لإقامة كيانها الفيدرالي، والهدف الآخر طرد داعش من معقله وطريق إمداده الأخير صوب العمق التركي. وعلى الرغم من هذا التطور السياسي والعسكري في أقصى الشمال واستحواذه على التغطية الأكبر، فقد استمرت أم المعارك على تخوم حلب بزخم كبير لم ينقطع منذ دخول الجماعات الإرهابية الكليات العسكرية، ولكن بزخم إعلامي أقل نتيجة توجه الأنظار نحو أحداث الحسكة وجرابلس لاحقاً. ست هجمات متتالية على الكليات العسكرية خلال الأيام العشرة الأخيرة قام بها الجيش السوري، كشفت عن استماتة منقطعة النظير من قبل كتائب فتح الشام، لعدم التسليم أو حتى الاستعداد للانسحاب مهما كانت الخسائر البشرية في صفوف التنظيم الإرهابي. وبحسب الخبير العسكري كمال الجفا، فإن هذا الواقع فرض تغييراً في الاستراتيجية بالنسبة للقادة العسكريين السوريين، باتجاه العودة إلى الطرق العسكرية التقليدية، عبر السيطرة على التلال المحيطة قبل الشروع في الاقتحام. ويشرح الجفا مجريات المعارك، فيقول إن تلة أم قرع كانت أول الأهداف، التلة الواقعة جنوب-غرب الكلية العسكرية، وبمسافة لا تزيد عن 800 متر من محيط كلية التسليح وبعيدا عنها قليلاً تقع قرية المشرفة وتلتها الاستراتيجية. وقد اقتحم الجيش التلة وثبت فيها، فأيقن جيش الفتح فداحة خسارة التلة، على اعتبار أنها ستقطع كل طرقات إمداده، وستصبح رهينة لنيران الجيش السوري. ثماني ساعات لم تسعف المحيسني ورجاله في التقدم متراً واحداً باتجاه التلة، بل على العكس سمحت للجيش السوري بالتمدد قليلاً نحو تلة المشرفة استعداداً لاقتحامها وتثبيت نقاطه فيها. حصيلة الهجوم الخامس كانت كما يؤكد الجفا، تدمير عشر آليات ثقيلة ما بين دبابة وعربة مدرعة وبيك آب مزود برشاشات ثقيلة، ومقتل 32 إرهابيا معظمهم غير سوريين، وجرح أكثر من 50 آخرين جراحهم متفاوتة.. هذه الخسائر أوضحت لقوات المحيسني استحالة احتلال التلة واستحالة إيجاد طريق إمداد أو حتى الحفاظ على ممر ضيق باتجاه الأحياء الشرقية. أما وضع الجبهات الأخرى، فلم يكن أفضل حالاً. إذ لم تهدأ فيها المناوشات على مدار الساعة، وخاصة محاور التماس الطبيعية ما بين تلة عبد ربه والليرمون والزهراء والصالات وساحة النعناعي امتداداً إلى الراشدين الأولى والرابعة والخامسة التي شهدت استهدافاً مكثفاً بكل أنواع الأسلحة توّجها سلاح الصواريخ بقصف شطرنجي بأكثر من 48 صاروخ كاتيوشا أطلقها الجيش السوري على منطقة تتموضع فيها قوات من عدة فصائل إسلاموية متشددة، أدت إلى احتراق عدد من آلياتهم ومقتل وإصابة العشرات تبعاً لأجهزة الاتصالات لديهم، بالإضافة إلى ما تم رصده بشكل مباشر. وشهدت جبهات حلب هذه قبل عدة أيام انسحاب نحو ألف مقاتل منها يتبعون لـ(فرقة الحمزة وفيلق الشام والسلطان مراد وحركة أحرار الشام وحركة الزنكي وجيش التحرير وصقور الجبل والجبهة الشامية)، وإحلال مقاتلين أوزبكيين وشيشانيين وأويغور مكان المقاتلين السوريين الذين تم استدعاؤهم على عجل إلى جبهة جرابلس من قبل مشغّلهم التركي. معارك الكليات مستمرة في الجنوب الغربي لريف حلب، بدأها الطيران الحربي وأتبعها سلاح الصواريخ والمدفعية بضربات موجعة بأسلحة ذكية وذات مساحات تدميرية كبيرة مع استهدافات للخطوط الخلفية وتحييد للسلاح الأكثر فتكاً (صواريخ التاو) من الأبنية المرتفعة في العامرية، حيث تكفلت قناصات الجيش السوري بإسكاتها وتدمير قاعدتين منها. وفجر هذا اليوم، والحديث للخبير العسكري، دخلت مجموعات الاقتحام إلى القطاع الشمالي لكلية الشؤون الفنية على قوس دائري شمالي-شرقي وشمالي-غربي مكّنته من إحكام طوق نصف دائري على أبنية كانت تعدُّ محصنة ومدعمة بعدد من قناصي جيش الفتح وحلفائه ومعظمهم من التركستان والبلوشتان وجنسيات أخرى. وأُحصي تدمير اثنتي عشرة آلية للنصرة وحلفائها دُمرت بالكامل داخل الكليات وعلى محاور الإمداد فيها، ولم تفلح حتى اللحظة كل هذه الجحافل المستميتة من إبعاد عناصر الجيش عن الأبنية التي دخلتها في محاور قتالها الجنوبي. محور قتال آخر لم تتوقف فيه المعارك وهو الراشدين رابعة وخامسة على طريق الشام وكان له نصيب من عدة رشقات من صواريخ ثقيلة حيّدته عن إمداد جيش الفتح في الجبهات المشتعلة في مشروع الـ 1070 وأبقته منفردا باشتباكات عنيفة جداً بكل أنواع الأسلحة، ليتمكن الجيش السوري بعدها من التقدم في عدد من الأبنية من المحور الغربي معزّزاً نقاط حمايته لمشروع الرواد والـ 606، ومقترباً أكثر فأكثر من موقع مدرسة الحكمة التي أصبحت شبه مدمرة بعد استهداف صاروخي ومدفعي لها على مدار الساعة موقعاً عشرات القتلى من جيش الفتح بداخلها. إذاً؛ رغم الجلبة القادمة من أقصى الشمال، وقبلها أحداث الحسكة بين الجيش السوري ووحدات حماية الشعب الكردية التي انتهت إلى هدنة بوساطة روسية، فإن شيئاً لم يغيّر من أولويات الجيش السوري في المضي إلى حسم المعركة الرئيسة في حلب و إحباط هجوم المسلحين عليها وإطباق الحصار على المسلحين في داخلها. ذلك أن هذه المعركة هي بحسب كل المراقبين والمتابعين أم المعارك وبيضة القبان، ومن يكسبها تكون له اليد الطولى على طاولة جنيف الآيلة إلى الانعقاد. (1)