×
محافظة المنطقة الشرقية

توافق خليجي ـ أمريكي لحل الأزمة اليمنية

صورة الخبر

الوصول غاية والخُطى وسيلة، وبينهما امتداد الطريق. حين لا يصل أحد فإن الخُطى مطية الخيبة والطريق امتدادها. باختلاف الطرقات وباختلاف طرق عبورها تظل الأحذية أخوة الطريق وحليفة سياقين متناقضين، سياق الإهانة وسياق التذلل. ولعل أشهر بيت شعري كثر استحضاره في سياق الهوان: قومٌ إذا صفع النعال قفاهم   قال النعال: بأي ذنبٍ أُضربُ وقريبًا منه قال المتنبي عن أعداء ممدوحه: جُعِلَت هامهم نِعالُ النعالِ وفي السياق الآخر: المبالغة في التكريم يستدعي المتنبي الحذاء أيضا: فبأيما قدمٍ سعيتَ إلى العُلا   أُدُمُ الهلال لأخمصيك حذاء بعيدًا عن هذين السياقين، للحذاء حضور رمزي آخر لا ينتمي للمُهين ولا للمُهان، لكنه يستدعي الطُرقات التي تعد بالخيبة، وقد كان (خُفا حُنين) عنوانًا لهما. لكنّ أحذيةً لا تُعد تراكمت في هذا الطريق. فصار الحذاء مُعادلًا موضوعيًا لتعب صاحبه، في اهتراء الحذاء وثقوبه دلالات على اهتراء قلب صاحبه وثقوب عُمره المهدور. في الشعر المعاصر أحذية أكثر، لا تطأ رأس أحد ولا يتذلل لها أحد، لكنها تبقى بعد رحيل مُنتعليها شاهدةً على حروب عادت منها الوعود بُخفي حنين، أحذيةٌ تهترئ في المنافي وتدوس بلا قصد على الجثث. في أوراق (تأبط منفى) يكتب (عدنان الصائغ): لا مهرب هي الأرض أضيق مما تصورت، أضيق من كف كهلٍ بخيل تعثرتُ في صخرةٍ. فرأيتُ حذائي الممزق يسخرُ مني  ويكتب ميثم راضي عن الجنود خارج سعار الاقتتال، عن الجنود الذين يُساقون للحروب مُرغمين: كأنهم سقطوا من قصة حُب في المحطة مباشرةً دون المرور بمكاتب التجنيد ويستدعي الأحذية العسكرية دون إهانة ودون هوان، بل من خلال عيني طفل تسرق الحروب عمره وعمر أبيه: ومرةً عاد أبي من القتال. فاكتشفت بأنَّ عدد ثقوب جزمته العسكرية كان مساويًا لعُمري أحذيةٌ تتقطع الدروب بأصحابها وتلفظهم جبهات القتال، فتبقى شاهدةً على الموت الذي يطفح في الطرقات، أحذيةٌ تطأ النسيان عدو الثأر الأبدي الذي يقف في وجهه (بلند الحيدري) متعهدًا: سنلتقي السكين والجرح، وبُقعة الدم التي تحملها أحذية العابرين هذا الدم/شاهد الموت يسخر الماغوط من مجانيته مُستدعيًا الحذاء/العبور: لم يعد ثمّة ما يفصلُ جثث الموتى عن أحذية المارة أخيرًا: الشعراء الذين استحضروا الموت والحُزن والآلام من خلال (حذاء) لم يسرقوا معانيهم، وعنوان المقال ملتصقٌ بالسرقات الشعرية، لكنّ استحضاره هُنا لا يخص الشعر، بل يخص أوجاع الشعراء ومآسي العالم التي تضع الحافر على الحافر وتستنسخ نفسها. ومهما تقطعت الطُرقات، سيظل الوصول غاية الحالمين: سأصلُ إلى النهرِ يومًا. وأغسل من وسخ الأيام حذائي.