استقلت قطار الحياة وودعت رحم أمي وخرجت إلى الوجود، بين اليوم وذاك التاريخ مرت أعوام كثيرة، مرت بسرعة، وكأنّ ملك الموت يستعجل لقائي! طيلة هذه الأعوام كنت أجري خلف أحلامي الصغيرة، كطفل يطارد الفراشات بين الزهور، وبعد أن بلغت سن الرشد واحتراماً لمقولة علال الفاسي: أبَعْدَ مرورِ الخمسَ عشْرةَ ألعبُ ** وأَلهُو بِلَذاتِ الحياةِ وأَطربُ؟ ولـي نـظـرٌ عـالٍ ونـفـسٌ أبـيـةٌ ** مُـقـاماً علـى هـام المجـرة تطـلـبُ. انخرطت في العمل السياسي لكونه من بين الحقول الحيوية التي تعنى بمسألة تدبير الأمور المتعلقة بحياة المواطنين اليومية، تدبيراً يضمن لهم احترام حقوقهم وواجباتهم المتعددة الأبعاد، ولذلك التحقت بعدة أحزاب سياسية، باعتبارها هيئات سياسية أوكلت إليها مهمة تأطير المواطنين وتسهيل اندماجهم في الحقل السياسي، ومن ثم إشراكهم في منظومة تدبير الشأن العام الوطني والترابي. وبعد سنوات من التجربة والمحاولة، وجدت أن الفقر والأوضاع المزرية التي يعيشها المواطن في المغرب، سببها سكوت الشعب والطبقة العريضة من المجتمع، فكلما نهضت حركة تطالب بالحقوق، رأت السباب والشتائم وسمعت من الكلام ما يندى له الجبين، ولهذا فالشعب أيضاً له القابلية بأن يكون فقيراً فهو راضٍ بالواقع، والخوف مسيطر عليه من كل جانب تحسبه ميتاً وما هو بميت، ولكنه في فقر شديد، حرام عليكم أن تتخلوا عن بلدكم وتتركوه فريسة سهلة المنال على مأدبة اللئام، التئموا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان من أجل بلدكم.. من جعل من وطنكم أكبر مزبلة، فاجعلوا مكانه في مزبلة التاريخ. فبعد 6 سنوات من الانخراط في العمل السياسي، وجدت أن الأحزاب ما هي إلا دكاكين سياسية تمارس "المركوتينغ السياسي" أثناء كل استحقاق انتخابي.. وتمارس ألاعيب مشبوهة في فن النصب والتدليس وتوزيع الأوهام واللعب بانتظارات المغاربة، وهذا ما أسهم في إفراغ المجال السياسي من قيمه الحقيقية، وأصبحنا أمام ساسة مزيفين باعوا قضايا الوطن الذي يعيش أبناؤه كل أشكال التهميش والإقصاء الممنهج، من أجل ذلك انخرطوا في العمل الثّقافي وابحثوا لأنفسكم عن قاعات ومنصات تفجرون فيها مواهبكم، وتسمعون عبرها أصواتكم، أوجدوا فضاءات تلتقون فيها وترتقون من خلالها في مدارج المعرفة والعرفان، وسدّوا الباب عن أشباه المثقفين الذين أكثروا في الأرض الفساد. من أجل بلدي أنا، وبلدك أنت، وبلدكم أنتم، وبلدنا جميعاً كونوا رجالاً، واحجزوا موعداً مع التاريخ ولا تتخلفوا عنه، فإنكم ببنائكم لمدنكم تبنون وطنكم، ومتى تخلّيتم عن مدنكم خنتم وطنكم، فكونوا من بناة الوطن لا من خونته وضحوا من أجل وطنكم لتبرئوا ذمتكم، وتكتبوا عند الله من المصلحين رعاكم الله. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.