استمع عبدالله العليان بعد الاتفاق الشهير بين الليبيين في مدينة الصخيرات المغربية، برعاية الأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 2015، حيث تم التوقيع على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة. وبعد استضافة سلطنة عُمان جلسات الحوار، بين أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي بمدينة صلالة قبل عدة أشهر، كان التوقع أن الحل أصبح قريباً بين الأطراف الليبية المختلفة حول كيفية إقامة نظام سياسي جديد في ليبيا، يجمع كل التيارات والتكتلات السياسية، خصوصاً مع وصول الحكومة الليبية الجديدة إلى طرابلس برئاسة فايز السراج. ومع كل هذه التحركات التي كان يجب أن تساهم في حل الأزمة الليبية، فإن الخلافات تصاعدت والقتال اشتد في بعض المدن بمشاركة بعض الأطراف الغربية في الصراع، ما جعل مسألة المصالحة والتوافق متراجعة عما توقعه بعض المحللين والمتابعين بالانفراج للأزمة. ولا شك أن معمر القذافي، ساهم خلال توليه السلطة، في هذا الوضع المتأزم، لأن غياب النظم الدستورية، واستبدالها باللجان الشعبية، أسهم في عدم تأسيس دولة بالمفهوم الحديث، حيث أقصيت كل المؤسسات المعنية بهذا الجانب المهم، والذي يجعل من الدولة الليبية نظاماً قائماً، يقدّر من الجميع ويتحول إلى رؤية ثابتة كمؤسسات دولة لا يستطيع أحد العبث بمقدراتها لغايات خاصة. وهذا الإقصاء، كما يقول بعض السياسيين الليبيين وغيرهم، هو الذي مهّد لهذا الواقع القائم من التوترات والصراعات، من حيث انفراد بعض القبائل والتيارات ببعض المدن والتحكم فيها، والسيطرة على بعض مواقع النفط، والتحكم بها، والمطالبة بحصص معينة إلخ... ولا شك أن الصراعات السياسية، تلعب دوراً مهماً في عدم قبول التعددية والديمقراطية، التي ستكون الباب للاستقرار والابتعاد عن لغة السلاح لفرض التوجهات السياسية والإيديولوجية، كما أن ظهور داعش وأخواتها في المشهد الليبي أخيراً، ساهم في تأخر الحل الذي تجمع عليه كل الأطراف، بعد الاتفاق الأخير الذي رعته الأمم المتحدة في المغرب. لكن للأسف، فقد ساهمت الخلافات السياسية المستمرة، في تردي الأوضاع، كما أن ظهور داعش هو نتيجة من نتائج الخلافات والتوترات السياسية بين الفرقاء الليبيين منذ سنوات، والإشكالية أن هناك تدخلاً دولياً في الشأن الليبي، وهذا التدخل، يعني أن كل طرف يهمه أن يكون النظام الجديد الذي يحكم ليبيا متوافقاً معه فكرياً وسياسياً، وهو يتحرك وفق المصلحة الخاصة التي يراها تتناسب مع إيديولوجيته الفكرية، لكن على حساب هذا البلد واستقراره ووحدة أراضيه، حيث إن بعض المهتمين بالشأن الليبي يتخوفون من تقسيم البلد الكبير والغني، إلى كانتونات إدارية وسياسية إذا استمر الصراع والانقسام السياسي، وقد يتحول هذا الصراع إلى صراعات وحروب داخلية، تسهم في الهدم وليس في البناء، وهذا هو الخطر الذي يتخوف منه البعض، إن لم يتفق الجميع على رؤية واحدة، وعلى الحل السياسي الذي يجعل من التداول السلمي للسلطة مساراً جديداً لليبيا. ويرى الكاتب الليبي، سنوسي بسيكري أن من أهم أسباب إخفاق مقاربات المصالحة الوطنية محاولة تمريرها بمنأى عن الواقع الراهن وتجاذباته وتفاعلاته. ولا شك أن التدخلات الدولية ساهمت في تعكير الأجواء، لأن البلد يحتاج في هذا الوقت إلى حلول سياسية توحد القوى، ثم تأتي مواجهة التطرف والتكفير، لكن مادام الخلاف قائماً، فإن التطرف يقتات على المشكلات، ويستفيد من الخلافات السياسية الراهنة. ولا شك أن هناك مشكلات وتحديات قائمة، تساهم في عدم إيجاد حل دائم وثابت، وإذا استمر هذا الصراع يمكن أن يؤدي إلى جعل ليبيا تحت الوصاية الدولية بشكل أو بآخر، أو ربما لفرض حل دولي على الليبيين، ولذلك فإن المطلوب من جميع الفرقاء السياسيين الليبيين المخلصين، أن يدركوا المخاطر المحدقة من جراء هذا الصراع الذي دخل عامه الرابع، ومن المهم أن تعرف كل القوى في ليبيا، أن لا منتصر في النهاية، وأن الخاسر هو البلد نفسه ومواطنوه، وأن الاتفاق والتوافق، ومصلحة الوطن الليبي هو ما يجب أن يقدم على كل المصالح الذاتية، وأن هذه الدماء التي تسفك على الأرض يومياً هي التي ستجر الأحقاد، وربما الانتقام بعد ذلك، وهذا ما يجب النظر إليه بواقعية، وتقديم المصلحة الوطنية على كل المصالح الخاصة. alaliyan@gmail.com