ما يحدث في الغرفة التجارية الصناعية بجدة -تعد أول غرفة تأسست بمرسوم ملكي صدر في يناير 1943م- أو كما يحلو لبعضهم بتسميتها بـ«بيت التجارة»، من جدل حول مشروعية مجلس إدارتها الحالي ونظاميته بعد أن شكك بعض «الخاسرين» في نزاهة وشفافية الانتخابات التي أنهت أعمالها في التاسع من يناير لهذا العام 2014م، وما تلا ذلك من رفع قضايا رسمية على بعض المرشحين الفائزين والتهديد بمقاضاة وزير التجارة ذاته بعد أن وُصِف قراره بالمتعجل والمخالف لنص النظام الصريح باعتماد تشكيل المجلس قبل انتهاء فترة الطعون، يعد ظاهرة صحية تدل على فهم تجار جدة لمفهوم الانتخابات والديمقراطية بشكلها الأوسع. لقد كسب «الخاسرون» لانتخابات «غرفة» جدة الجولة حتى وإن لم يسندوا ظهورهم على كراسي مجلس إدارتها، فالوعي الذي أظهره بعضهم في ممارسته حق الطعن والاحتجاج ومواجهة أخطاء وزارة التجارة -كما يعتقدون- وعدم الخنوع لقرار وزيرها من خلال طرق الأبواب الرسمية والقضائية والأمنية، يذر الملح في أعين أولئك المنادين ليلاً ونهاراً بأن المواطن السعودي وبالتالي المجتمع بأكمله لم يستعد بعد للأجواء الديمقراطية المسؤولة. «الخاسرون» -وهذا ما يفرح- أن جلهم من الشباب الذين أرادوا مجابهة «هوامير» و«عواجيز» بيت التجارة لكسر «الولاية» التي جعلت من أعضاء «الغرفة» ومنتسبيها يتوقعون أسماء مجلس إدارتها قبل انتهاء أي انتخابات تجرى وقبل إعلان نتائجها رسمياً. يتهم المرشحون «الخاسرون» الذين سددوا مفاجأة من العيار الثقيل بعد انتزاعهم لحكم ابتدائي صادر من المحكمة الإدارية لصالحهم، في دعواهم التي شملت شقين أولهما يتعلق بوزارة التجارة والإجراءات الانتخابية وآخر بنتائج الأعضاء المطعون في صحة فوزهم، إن هناك عديداً من المخالفات التي استغلها بعض المرشحين الفائزين -عضوين من فئة الصناع وأربعة أعضاء من فئة التجار- منها إساءة استخدام التفويضات وهو ما جعل بعض الشركات تهدد بالرفع لديوان المظالم إذا لم تكشف وزارة التجارة وهي الجهة المعنية بذلك عمن صوت عنها زوراً، وتعلن رسمياً عن أسماء المتورطين في ذلك، ليدخل بعد ذلك الصراع إلى استخدام الدين كوسيلة للضغط بعد أن رفع بعض أولئك «الشباب» -في خطوة تعد هي الأذكى- خطاباً إلى مفتي عام المملكة -نشرته الاقتصادية في عددها 7420- تضمن طلب فتوى عن جواز طلب الناخب مبالغ مالية أو خدمات مدفوعة كتجديد اشتراك أو خصومات مقابل صوت المرشح، وحكم عرض المرشح على الناخب مبالغ مالية أو خدمات مدفوعة كتجديد اشتراك أو خصومات مثلاً ليعطي صوته للمرشح وكذلك عن حكم طلب المرشح من أصحاب الشركات تفاويض لمناصب وهمية كعضو مجلس إدارة أو عضو منتدب أو مدير في شركة، علماً بأن هذه المناصب غير حقيقية تكتبها الشركة للمرشح لتخوله التصويت عن نفسه حتى يضمن صوته بتلك الشركة، وقد يدفع مبالغ مالية لتلك الشركة حتى يحصل على هذا التفويض. لم يقف «الخاسرون» من الشباب عند ذلك المستوى بل رفعوا ذلك إلى ما هو أعلى بعد تهديدهم صراحة وزير التجارة ومن يعتقد أنهم فازوا بغير جدارتهم في الانتخابات السابقة التي حملت رقم «21» إلى اللجوء إلى الجهات الأمنية لإثبات شبهة التزوير وشراء الأصوات، ومطالبتهم بالتعويض عن الخسائر المالية التي تكبدوها بسبب حتمية تلك الانتخابات التي طبخت سلفاً كما يعتقدون وخالفت اللوائح والأنظمة، بما فيها القرار الوزاري الذي صدر لإعلان الأسماء الذي يقتضي وفق اللائحة إمضاء وزيري التجارة والكهرباء، وهو ما لم يحدث، حيث صدر القرار بإمضاء وزير واحد وهو وزير التجارة، وهو ما أفقد ذلك القرار الصبغة القانونية. ربما تستمر تلك «القضية» لأعوام، متنقلة بين مكاتب القضاة ورجال الأمن والعدليين، ولكن ذلك لا يهم بعد أن أكد «الشباب» أن المستقبل لن يكون إلا لهم، من خلال إدراكهم أن للديمقراطية وجها ناصعا يتجلى في فهم الأنظمة والدفاع عن الحقوق، وهو ما يؤكد بدوره أننا قادرون ومؤهلون كمجتمع على أن نطلق العنان لآرائنا وأحكامنا ببصيرة ومنطق دون أي وصاية من رجل دين أو سياسة أو كائن من كان.