كثيرا ما تحدثنا عن زيادة الدخل، وقليلا ما تحدثنا عن الصرف. اسوأ ما يمكن أن يواجهه الإنسان في عصرنا هذا هو ظاهرة الإسراف الاجبارية. المغريات كبيرة وجذابة ولا حدود لها. عندما تدخل متجرا ستحيط بك البضائع بجاذبيتها، تدعوك لشرائها بل تمسك بتلابيبك. صار للبضائع طريقة عرض مغرية.. سألت نفسي كثيرا هل أستطيع تفادي هذا ومقاومته؟ لا يمكن أن أحصي عدد أجهزة الجوال التي اشتريتها منذ ان بدأت خدمة الجوال. يمكنني القول اني اقتنيت كل أنواع الأجهزة التي توفرت في السوق منذ إريكسون إلى جلاكسي 7. ما يعكس وقوعي في الإغراء أكثر من الحاجة أني لا اشعر بالفرق الكبير عندما أقفز من جهاز إلى آخر. ولكن عندما أعود بالذاكرة لثلاث سنوات فقط أجد أن الفرق بين الجهاز الذي بين يدي الآن والجهاز الذي كنت أقتنيه في تلك الفترة شاسع فسألت نفسي متى يحسن أن ابدل الجهاز، متى يصبح الجهاز خارج الوقت؟ من الصعب جدا أن تقرر. على المستوى العملي الصارم يجب استبدال الجهاز كل ثلاث سنوات هكذا رأيت. بيد أن متابعة أحدث الأجهزة عند بعض الناس تأتي في المقام الأول كتعبير اجتماعي. الخدمة تأتي تالية. بعض هؤلاء لا يستفيد كثيرا من خدمات الجهاز الذكية. يكفيه جهاز أبو ميتين ريال. في الماضي القريب إذا أراد المرء التسوق يذهب إلى السوق. الآن اصبح السوق يلاحقك حتى وأنت على فراشك. المشكلة أن كل شيء له ملحقاته. ثمة شركات طفيلية تقدم بضائع تكميلية. غلاف للجوال مكنسة للسيارة مفرش للجزمة. الأمر لم يعد يتوقف عند اقتناء البضاعة الأساسية كجهاز الجوال ذاته. حتى في الاكل أصبحت المسألة قائمة على ذات النهج. أتذكر كانت وجبتنا الرئيسية الكبسة. رز ولحم وسلطة وإذا طغينا لحقناها بغضارة لبن وجح. أصبح الأكل اليوم استعراضيا. تتزين المائدة بالأواني الثمينة أولا ثم بالملحقات كالصلصة والكتشب والشطة بأنواعها ولا يمكن أن تقدم الكبسة وحدها. عندك الفواكه والخضار والسلطات.. الخ. لم يأت هذا بدافع من الضرورة الصحية. هذا الامر فرضته عليك الأسواق الكبيرة. جمال الديكورات وتنوع البضاعة وطريقة عرضها والسهولة في تناولها وحتى أسعارها ستخدعك بالرخص عندما تقيمها بشكل متفرق. لكن لا احد يأخذ تفاحة ويخرج مع الباب. لابد أن تلتقط شيئا من هنا وشيئا من هناك حتى تنوء عربة التسوق بأحمالها. أحيانا اشعر ان ثمة مؤامرة. ربما كانت صهيونية أو ماسونية. لكن ما يطمئنني إن المؤامرة واقعة على جميع شعوب العالم. الموت مع الجماعة رحمة. بعيدا عن المزح لو نظرت لهذا الأمر كخاصية إنسانية ربما تكتشف أن الإسراف من فطرة الإنسان. إذا تتبعنا أمر البذخ سنجده في كل العصور وعند كل من امتلك ولو قليلا من المال. لا يكف عنه إلا من يتهم بالبخل أو يعاني من الفقر الشديد. لاحظ أن الإنترنت هي أعظم اختراع اخترعه الإنسان تحولت بنية وجودها إلى أداة تسوق. لن تجد موقعا على النت لا يقودك إلى بضاعة. لم أكتب هذا من باب النصيحة ولكن من باب اثارة المعرفة والتيقظ. فالبشر يختلفون في التورط في هذا الإسراف حسب دخلهم وقدرتهم على إدارة شؤونهم الشخصية والعائلية. فالكارثة مع الأسف تقع على الفقراء وربما تنتهي بنا إلى بناء طبقية جديدة قاسية. إذا كان ابني ينتظر مني نصيحة في هذا الشأن فسوف أقول له غيّر من نمط حياتك وطور قدراتك ومهاراتك وانحش من الفقر، وخل المثاليات لغيرك.