فيما حدد البرلمان التونسي الجمعة القادمة للتصويت على منحها الثقة، تواجه حكومة "الوحدة الوطنية" المكلف بتشكيلها السياسي الشاب يوسف الشاهد، خطر عدم الاعتماد من البرلمان بسبب الاعتراضات التي أثيرت عقب إعلان الشاهد تشكيلة حكومته الجديدة، والتي وصلت ببعض الأحزاب إلى إعلان عزمهم الامتناع عن منح الثقة للحكومة إذا ظلت بهذه التركيبة، التي اعتبرها بعضهم "بلا لون". وفجرت حكومة الشاهد المكونة من 26 وزيرا و14 وزارة دولة، جدلا بين السياسيين والأحزاب المشاركة في الحكومة الجديدة، بين رافض وملوح بالاستقالة ومتحفظ على التركيبة والأسماء المقترحة، بما في ذلك الأحزاب الكبرى التي باركت مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وساهمت في سحب الثقة من حكومة الحبيب الصيد نهاية يوليو/تموز المنصرم، كالنهضة ونداء تونس وآفاق تونس والحزب الوطني الحر. نداء تونس يحتج رئيس الكتلة البرلمانية لنداء تونس سفيان طوبال، أكد لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن حزبه أبدى تحفظات كثيرة حول التركيبة الوزارية والأسماء التي أعلنها الشاهد، ملمحاً إلى أن نوابه "لن يمنحوا الثقة للحكومة الجديدة في حال بقيت بتركيبتها الحالية". وأضاف "مكتبنا سيجتمع اليوم برئيس الحكومة المكلف لإبلاغه بتحفظاتنا وعلى ضوء استجابته سنحدد موقفنا من الحكومة الجديدة". وكان الخلاف على تركيبة الحكومة الجديدة بين أعضاء نداء تونس وصل لأشده البارحة خلال اجتماع الكتلة، حيث لوحت النائبة سناء صالحي بقرار الاستقالة بسبب عدم رضاها عن الحكومة الجديدة واصفة إياها عبر تدوينة كتبتها على صفحتها الشخصية على "فيسبوك" بأنها "بلا لون". النهضة تتحفظ لكن.. بدوره أعلن رئيس مجلس شورى حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني أن للحركة تحفظات على بعض الأسماء في الحكومة الجديدة -لاسيما تلك التي رفضت سابقاً المشاركة جنباً إلى جنب مع النهضة لاعتبارات أيديولوجية، لكنها لن تصل إلى درجة عدم منح الثقة. حسب قوله. وخلال مؤتمر صحفي عقده مساء أمس قال الهاروني "لن نقبل شخصية عندها عقلية إقصائية تجاه النهضة أو غيرها، لن نقبل عضواً في الحكومة فيه شبهة فساد"، بحسب وكالة أنباء فرانس برس، رافضاً الكشف عن أسماء الأشخاص الذين يقصدهم. وكان القيادي بحزب المسار اليساري سمير بالطيب، والمرشح لتولي وزارة الفلاحة (الزراعة) في حكومة الشاهد، قد شارك في ما عرف سابقا باعتصام الرحيل في 26 يوليو/تموز 2013 أمام المجلس التأسيسي، مطالباً بحله وإسقاط حكومة علي العريض، محملاً النهضة مسؤولية اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. كلمة سمير بالطيب خلال اعتصام الرحيل هاجم خلالها النهضة والغنوشي وعلى خلاف الهاروني اعتبر القيادي في حركة النهضة فتحي العيادي في تصريح ل"هافينغتون بوست عربي" أن وجود أطياف يسارية في حكومة الشاهد "مؤشرات جيدة، تجعل الحكومة تعبر فعليا عن مختلف الأطياف السياسية في البلاد من أقصى اليمين لأقصى اليسار". انسحاب حزب الشعب أما أمين عام حزب حركة الشعب المعارض زهير المغزاوي فقد كشف أن حزبه فضل الانسحاب من مشاورات الحكومة الجديدة قبل سويعات من الإعلان عن تركيبتها بسبب ما أسماه "اختلافات منهجية"، مؤكداً في ذات الوقت أن رئيس الحكومة المكلف يوسف الشاهد عرض على الحزب حقيبة وزارية. "تعيينات الدقائق الأخيرة" وأضاف في تصريح خاص لـ"هافنيغتون بوست عربي"، "رفضنا أن نكون ضمن تركيبة الحكومة الحالية لأننا وجدنا أنها بنيت أساساً على المحاصصة الحزبية والترضيات لهذا الحزب أو ذاك في غياب تصور سياسي لمستقبلها". المغزاوي اعتبر أن "تونس كانت أمام فرصة حقيقية للنهوض والإصلاح من جديد لكن تم تضييعها من قبل رئيس الجمهورية، عبر تعسفه بداية الأمر في تعيين الشاهد على رأس الحكومة دون استشارة باقي المكونات السياسية الأخرى، على اعتبار أنها حكومة وحدة وطنية، وختمها رئيس الحكومة المكلف بتلك الطريقة العشوائية في إعلان أسماء الوزراء دون تمهل"، على حد تعبيره. وعبر عن "امتعاضه"، مما وصفه بوجود أسماء وزراء في الحكومة الجديدة "يفتقرون للكفاءة وأسندت لهم وزارات لا علاقة لها بمجالات تخصصهم من قريب أو من بعيد"، واصفاً إياها بـ"تعيينات الدقائق الأخيرة". وأوضح أن حزبه واكب جولات المشاورات وصدم من غياب أسماء وزراء تم إدراجهم خلالها، ثم فوجئ بسحبهم في آخر لحظة، مضيفاً "وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول مقياس اختيار التركيبة الوزارية وحجم الضغوطات المسلطة على رئيس الوزراء سواء من الأحزاب أو من رئيس الجمهورية ذاته". حسب قوله. "آفاق تونس" يهدد ويشكك بدوره عبر حزب آفاق تونس المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي والممثل بوزيرين في الحكومة الجديدة عن غضبه من التسميات الجديدة لحكومة الشاهد، حيث طعن رئيس الحزب ياسين إبراهيم في كفاءة ونزاهة بعض الأسماء المطروحة عبر تدوينة كتبها على صفحته الرسمية ثم سحبها بعد سويعات. وأشار إبراهيم في تدوينته إلى كل من الأمين العام السابق للاتحاد التونسي للشغل -أكبر منظمة نقابية في البلاد- عبيد البريكي والمرشح لمنصب وزير الوظيفة العمومية ومكافحة الفساد، والنائب المستقل بمجلس الشعب مهدي بن غربية المرشح لمنصب وزير مكلف بالجمعيات والهيئات الدستورية. وكان الوزير المعين في حكومة الشاهد مهدي بن غربية قد في حكومة الصيد ياسين إبراهيم؛ بسبب ما وصفه بشبهة فساد تتعلق بما عرف في تونس "بفضيحة بنك لازار"، وهو بنك عالمي متخصص في الاستشارات المالية، كان الوزير قد طلب منه إعداد دراسة تتعلق بمشروع التنمية في تونس، وهو ما اعتبره بن غربية خرقاً للسيادة الوطنية ومحاولة لرهن تونس لجهات أجنبية. فشل في الاختبار من جانبه اعتبر محمد عبو، رئيس حزب التيار الديمقراطي المعارض، أن رئيس الدولة الباجي قائد السبسي "فشل في أول اختبار يتعلق بحكومة الوحدة الوطنية"، باعتباره لم يشرك كل المكونات الحزبية في جلسات المشاورات، مشككا في مدى قدرة الحكومة الحالية على القيام بما عجزت عنه حكومة الحبيب الصيد. وأرجع عبو ذلك لعدة اعتبارات، أبرزها كما يقول "حاجة البلاد لحكومة قوية في قدرتها على تطبيق القانون على الجميع دون استثناء وفي استقلاليتها على مراكز النفوذ وعلى الفاسدين وهو مع الأسف غير متوفر حاليا في الأسماء المطروحة". عبو ذهب لاعتبار أن غاية السبسي من الحكومة الجديدة هو "بسط سيطرته ونفوذه على رئيس الحكومة وعلى كل القرارات المنبثقة عن هذه الحكومة أكثر من رغبته في الإصلاح الجذري". جدل عبر الشبكات الاجتماعية مواقع التواصل الاجتماعي في تونس ضجت بدورها بتعليقات سياسيين وإعلاميين ورواد الشبكات الاجتماعية تتعلق بموقفها من التركيبة الحكومية الجديدة هذه أبرزها: يذكر أن مجلس الشعب أعلن اليوم عن تحديد تاريخ جلسة التصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة ليكون يوم الجمعة 26 أغسطس/آب 2016 ويشترط منح الثقة للحكومة الجديدة بحصولها على تصويت الأغلبية المطلقة من المجلس، أي ما لا يقل عن 109 صوتا من أصل 217 نائبا بحسب مقتضيات الفصل 89 من الدستور التونسي.