أدعو الشركات العاملة في توسعة المسجد الحرام بأن تتنبه لأي شيء ذي قيمة أثرية يجدونه. قبل أن يصار إلى تهريبه إلى الخارج بطريقة أو أخرى. الكعبة المشرفة: رمز مقدس عند المسلمين يتجهون إليها في صلواتهم، وحولهاز يطوفون، بنتها الملائكة، ثم آدم عليه السلام، ثم إبراهيم عليه السلام، ثم العماليق، ثم جرهم، ثم قصي بن كلاب، ثم قريش قبل البعثة النبوية، ثم عبدالله بن الزبير، ثم الحجاج بن يوسف الثقفي، فالسلطان العثماني مراد خان، ثم الدولة السعودية.. وقد أوليت عناية كبيرة منذ ما قبل الإسلام، ثم زادت العناية بها في العصر الإسلامي، لأنها أصبحت قبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم، ولم تقتصر العناية بها على تجديد بنائها، أو أرضيتها، أو سطحها، أو سقفها، أو أعمدتها. ولا يعقل عدم وجود ماديات أو مخطوطات ذات قيمة أثرية مدفونة لم تكتشف. والمتفق عليه هو "الإيلاف" وكما جاء في معجم المعاني باسم علم مؤنث عربي، ورد ذكره في قوله تعالى: (لإيلاف قريش (1) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) (قريش 1: 2) من الفعل آلفه الشيء: ألزمه. وآلفت الموضع أولفه إيلافاً: لزمته وألفته. والإيلاف شبه الإجازة بالخفارة. وأصحاب الإيلاف أربعة: هاشم، وعبدشمس، والمطلب، ونوفل بنو عبد مناف، وكانوا يؤلفون الجوار: أي يتبعون بعضه بعضاً. وفي اللسان: الإيلاف من يؤلفون، أي يهيئون ويجهزون. والمعنى: لتؤلف قريش الرحلتين فتتصلان ولا تنقطعان. هؤلاء أيضا ألم يتركوا محسوساً عن عيشهم وأسفارهم وطرق معيشتهم ووسائل تبادل المنافع بينهم؟ و"الإيلاف" هذا لا يوجد أحد في عالم المعرفة والتاريخ والبحث لم يتكلم عنه، لكننا لا نملك الآثار الملموسة لذلك الحراك التجاري، ولا يعقل أن تتم تلك العمليات المتكررة (الشتاء والصيف) ولا يوجد عنهامستند أو مخطوطة، أو نموذج اتفاق أو سلعة منه، فأين هي؟ والحفريات والجيولوجيا الأثرية عند غيرنا كشفت عن تدوين مر عليه أكثر من ألفي سنة (قبل الميلاد). لا تدوين أي عملية ملموسة لمادة قلمية أو حسية. وربما التفتت هيئة السياحة عندنا إلى موضوع كهذا عن طريق ممارسة الاتصال المباشر مع الهيئات والشركات التى تقوم بالتوسعة، فربما وجدت كنوزا من آثار غالية، لا سيما وهي (الشركات) تقوم بأعمالها في مناطق قريبة من الحرم. هذا ما بيدنا نحن سكان هذا البلد. لعل تلك الحفريات توصلنا إلى طرق العيش في الحقبة الإسلامية الأولى وقبلها، فالمنطقة كانت حراكاً تجارياً، وممراً للقوافل، والبيع والشراء والثقافات من شعر ونثر. وحتى الآن لا يوجد بأيدينا - مثلاً - مدونة كتبت، أو أوان استعملت، أو بضاعة بيعت أو اشتريت، أو بقايا غنائم حرب، كل الذي شاهدناه جاءنا عبر أفلام تختلف الملابس وأدوات الحرب من فيلم لآخر، ومن نص إلى حكاية، بدءاً من قصص عنترة العبسي، والبسوس. نعم، شعرت بلادنا بأهمية الآثار، وقد يكون ما عوقنا عن لمسها وعرضها أمورا كثيرة - منها المقنع وغير المقنع - فأدوات الحفر ونبش الأثر ومعرفته والمحافظة على إخراجه لم يشجع في حقبات سابقة مرت، ووجود محللين ومؤرخين لم يكن ميسوراً.