عمون - «القدس العربي» - بسام بدارين - تصوران يمكن التقاطهما ببساطة وسط النخبة الأردنية عندما يتعلق الأمر بتشخيص وتوصيف عمل الرئيس النشط جدا والمسيس والمعارض سابقا، للهيئة المستقلة للانتخابات الدكتور خالد الكلالدة. الكلالدة لأسباب تتعلق بالظرف السياسي الوطني والإقليمي ولا تتعلق حصريا بشخصه أصبح عنوانا لجملة من التناقضات في التوصيف والتشخيص بعدما انتقل في أقل من خمس سنوات من قيادة المظاهرات الحراكية في الشارع إلى نقطة جذب مركزية في التحالف بين النظام واليسار الحزبي بدلا من الإخوان المسلمين ثم إلى وزير قوي وأخيرا مكلف بإدارة واحدة من أعقد الانتخابات العامة. الرسم الأول للكلالدة في اللعبة السياسية يتخيل لاعبا مناكفا وشرسا يأخذ موضوع الانتخابات الآن على عاتقه الشخصي ونجح استنادا إلى بعض الخبراء في الدولة العميقة في توريط الدولة والبلاد بأكثر من 4 آلاف مراقب أجنبي ومحلي للانتخابات في صورة تعكس سعيه الشخصي كهدف سابق ودائم للأجهزة الرسمية والأمنية إلى تصفية الحسابات مع الدولة وبذكاء. تلك صورة تبدو أقرب لبعض المبالغة في التوصيف والتشخيص ومصدرها على الأرجح من بيروقراطيين متخوفين أو حريصين من عصبة الدولة على الأداء والخطاب الرسمي المعتاد والمألوف دون المجازفة بتحولات كبيرة. الرسم الثاني للرجل يفترض فيه فراسة الانتهازية السياسية والقدرة على الاسترخاء في أحضان النظام الذي كان ينادي بتغييره مستغلا موقفه الايديولوجي ضد الإسلام السياسي وهي صورة تميل إلى الخشونة في التحليل وتتحدث عن سياسي مسؤول يبالغ في الحسابات الأمنية اليوم وينضم بحماس لفريق المؤسسة الرسمية كما فعل أقطاب آخرون في اليسار واليمين في الماضي. بين الصورتين قد تكمن الحقيقة لكن عندما يتعلق الأمر اليوم بملف الانتخابات المثير جدا للجدل لا بد من القول ببعض الوقائع وأبرزها بلا منازع ان الإجراءات التي برمجتها الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات في عهد الكلالدة وبوجود فريق مقيم من الخبراء الأجانب يستعين ويستظل بهم من الطراز الذي يربك فعلا رغبة أي جهة رسمية تحاول المساس وبأي طريقة عبر التدخل في نتائج الانتخابات. لا يتعلق الأمر هنا فقط بالكاميرات التي قرر فريق الكلالدة زرعها في غرف الاقتراع، ولا بقرار يعتبر غرفة الاقتراع هي نفسها غرفة الفرز لأول مرة ولا بالمحاضر الورقية الجديدة، ولكن يتعلق بالتوازي بذلك السيناريو الذي يعتبر شخصية مثل الكلالدة نشطة ومتذاكية لأنها استعانت بآليات المراقبة الدولية في ضبط منظومة النزاهة الانتخابية. ويتعلق أيضا وهو الأهم بسر لا يعرفه الكثيرون ومصدره الكلالدة نفسه الذي يتصور الآن ان لا طريقة من أي صنف لتزوير الوقائع الرقمية أو التدخل بالنتائج وان الهامش الوحيد لتدخل أي جهة رسمية أقوى من هيئته يتمثل اليوم فقط في «إفساد الانتخابات» وليس العبث فيها. كلمة إفساد هنا مطاطة ومرنة جدا سياسيا وعلى الأرجح فإن فهم الهيئة المستقلة لها ينحصر في انها مفردة تعكس قوة عابرة للهيئة تفسد الانتخابات لأنها لا تستطيع التدخل فيها. وليس سرا الآن ان الكلالدة وفريقه يتوقعان بإمكانية حصوله لسبب واحد فقط لا ثان له وهو التيقن من ان الإخوان المسلمين سيسيطرون تماما على الأغلبية في اللحظات الأخيرة وفي يوم الاقتراع وبصورة تصدم مؤسسات القرار. عندها يقدر أصدقاء الكلالدة ومحبيه أن التدخل قد يحصل وان الهيئة المستقلة لن تستطيع المواجهة في حالة مثل هذه. لهذا السبب تبدو العلاقة بين بعض المؤسسات الأساسية في معادلة الإدارة والحكم وبين هيئة الكلالدة متقلبة لأن الدعم الذي تحظى به الهيئة المستقلة من القصر الملكي تحديدا أكبر من أي امكانية لإنكاره. متقلبة بمعنى انها مرة تعاونية وأخرى ترصدية تتلهف وتختطف ثغرات وأخطاء الكلالدة وفريقه وفي مرات ثالثة يمكن ان تكون علاقة متأزمة أو موتورة وتستند إلى فكرة ان الهيئة المستقلة تتعملق وأصبح لها أنياب اليوم بسبب الكلالدة ولم تعتد الكثير من المؤسسات الشريكة على مثل تلك الأنياب، الأمر الذي يستوجب تقليم الأظافر. هنا حصريا وعند بروز أي محاولة لتحجيم الهيئة المستقلة واحراجها يمكن ان تحصل تداعيات كثيرة خصوصا وان الرأي العام حتى اللحظة لا يصدق فريق الكلالدة وهو يدعو الناس للمشاركة في الانتخابات وان كان الأخير قد احتاط مسبقا لتحصين نفسه من أي ثغرات في النتائج عندما أعلن ان استعادة مصداقية الانتخابات مهمة ليست بسيطة وان ميراث قانون الصوت الواحد أفسد المزاج الانتخابي على مدار سنوات. الحكومة برئاسة الدكتور هاني الملقي لا تبدو مرتاحة وهي تراقب ما يسميه البيروقراطيون بـ»التعسف في استخدام الصلاحيات» عند الهيئة المستقلة للانتخابات. هنا حصريا يلاحظ على الكلالدة كثيرون من بينهم رفيقه اليساري وزير التنمية السياسية والبرلمان موسى المعايطة ووزير الداخلية سلامة حماد وقبلهما رئيس الوزراء هاني الملقي الذي يتعامل مع الموقف بميزان مباشر وواضح يلتزم بخطاب التكليف الملكي خصوصا وان الملك شخصيا زار رئاسة الوزراء لدعم الهيئة المستقلة للانتخابات. لا يريد كثيرون للكلالدة ان يتقمص دور «المنقذ» الذي حافظ على مصداقية الانتخابات وبالتالي سمعة البلاد والنظام والسبب ان ذلك سيؤهله فورا لتشكيل حكومة والدخول لعضوية نادي رؤساء الوزارات. العلاقة بالمجمل غير مريحة بين الهيئة المستقلة والحكومة والمستوى الأمني ولدى أركان بارزة في الإدارة مثل وزير الداخلية ملاحظات نقدية يحتفظ بها الجميع على شكل ومضمون عمل الهيئة المستقلة لكنهم لا يطرحونها إلا في أضيق الاروقة حتى يقال لاحقا لصانع القرار المرجعي ان «هيئتك المستقلة تعثرت». لافت جدا أولا: الرغبة في تعثر الهيئة المستقلة، وثانيا: ضبابية نتائج الانتخابات، وثالثا: حصول بعض الفوضى والقراءات الغامضة لمسار الأحداث، لافت جدا ان هذه عناصر متحالفة اليوم داخل بعض الأروقة البيروقراطية والكلاسيكية التي تريد ان تتبرأ مسبقا من نتائج انتخابات لا يمكن توقعها. اللافت أكثر ان هذه الحسابات المستندة تماما إلى شخصنة الأمور تبرز وتصعد في توقيت حساس جدا ودون أدنى شعور بوجود مطبخ مركزي يقرأ ويشخص الأحداث أو إرادة نخبوية حقيقية لدعم برنامج القصر الملكي الإصلاحي بدليل ان تناقضات الأشخاص والنخب وخلافات المسؤولين تنتقل عند رواية الأحداث إلى تلك المجالس السيادية التي ينبغي لها ان تتحدث بصراحة وموضوعية ودون خمول مثل مجلس السياسات ومجلس الأمن القومي حيث لا تعمل الفلاتر هنا تحديدا بكفاءة وتلك مشكلة أخرى تعبر عنها الانتخابات ولا تنتجها.