×
محافظة حائل

اكتمال تأسيس 12 فرعاً لـ”البحوث والإفتاء”

صورة الخبر

كثيرًا ما تتوقف شعبيات النائب ويتألق نجمه في الغرب، ولا سيما في إنجلترا والولايات المتحدة، على ما ينطق به من طرائف وملح وسخريات في خطبه البرلمانية. ينطبق ذلك بصورة خاصة على ما يسمونه بالخطاب البكر maiden speech، وهو أول خطاب يلقيه النائب الجديد الذي يدخل المجلس لأول مرة. ومن المعتاد أن تحتشد قاعة المجلس بالنواب لسماع ما سيقوله ويلقيه على أسماعهم من طرائف ونكات وسخريات. وكثيرًا ما يخلد ذلك ويصبح جزءًا من أدبهم السياسي البرلماني، يتذكرون ويذكرونه بعد أجيال من وفاته. كذا كان الأمر في بريطانيا بالنسبة للنائب من حزب المحافظين، إيفي سميث الذي فاز بمقعده البرلماني عام 1905، وهو شاب في مقتبل عمره السياسي. لم يكن له دور سياسي مهم في التاريخ البريطاني. ولكنه استحوذ بذكرى النواب والمؤرخين والمعلقين بالخطاب البكر الذي ألقاه. كان منهم بول جونسون، رئيس تحرير مجلة الـ«نيوستيتسمان»، الذي راح يستعرض دور هذا النائب بعد نحو نصف قرن من وفاته. استغرق هذا الخطاب البكر أكثر من ساعة، ولكن الخطيب امتلك اهتمام النواب والحاضرين وإصغاءهم بما ألقاه عليهم من درر الكلام اللبق المليء بالطرائف. وتميزت قدراته في هذا من حيث إنه كان من حزب المحافظين يخاطب مجلسًا جله من حزب الأحرار. كان ممن علق على ذلك الحدث التاريخي جي كارفن، فذكر أنه تكلم لنحو ساعة تمكن خلالها من وضع المجلس بكامله في جيبه. أما النائب دفيبر فقد وصف الخطاب فقال إنه كان مليئًا بالمداعبات الخفيفة والسخرية الجارحة التي ألقاها بذلك الحذق بصوته المغناطيسي، الذي حافظ على روعته طوال الخطاب. لم يكن الخطاب إلا استعراضًا مسرحيًا استحوذ على إعجاب الأصدقاء والأعداء على السواء. وتدفق تسلسله المنطقي بهوادة لم تنحسر أو تتلاشى. كان منطقًا لم ينضب يتدفقه بهجمات رائعة في سخريتها التي لمعت كنور البرق والصاعقة. لقد سمعت الكثير من الخطب البكر التي ألقيت على هذا المجلس، بيد أن خطاب إيفي سميث سيبقى في ذاكرتي راسخًا. ما انتهى من كلامه حتى جلس بعد أن ضمن لنفسه تحفًا برلمانية خالدة. أما إيفي سميث نفسه فلم يستفق من النوم عند الصباح حتى وجد أن مكانته قد اجتاحت الآفاق. ومن طرائف ما حصل هو أن إحدى السيدات لم تتصور مثل هذا الإعجاب يتملك الرجال بشأن رجل منهم، فتصورت أنه كان عن غادة حسناء فتساءلت: من هي هذه إيفي سميث؟ لا بد أن تكون امرأة خليعة فاتنة! وكان ممن سمع ذلك الخطاب البكر وعلق عليه النائب فيليب سنودن فقال: كان الخطاب قطعة كوميدية أحسن تمثيلها وأداءها بنحو لم أشهد مثيلاً له على المسرح لسنوات. كان الخطيب ساكنًا هادئًا كليًا في حين كان الضحك يتدفق من السامعين في نهاية كل جملة، وكل ذلك دون أن يضع على وجهه معالم إعجاب أو ازدراء. يخطر لي وأنا أدون ذلك فأتذكره وأقارنه بكل هذه الجعجعة والتشاتم والادعاءات الكاذبة والكلام الفارغ الممل الذي نسمعه في مناقشاتنا البرلمانية.