تناقلت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، السنة الماضية، خبر تسريب الامتحان الوطني للبكالوريا بالمغرب الخاص بمادة الرياضيات، وهو ما أجج الرأي العام المحلي واضطر الوزارة الوصية إلى إعادة تمرير هذه المادة وفتح تحقيق للبحث عن المسؤول الحقيقي وراء هذا الحادث المؤسف الذي كاد يعصف بسمعة البكالوريا المغربية وينتقص من قيمتها العلمية عالمياً. نتائج التحقيقات لم يتم الإعلان عنها لحد الساعة، والمؤكد أن التسريب تم على مستوى رفيع، وإلا ما سبب التستر على نتائج التحقيقات بعد مرور حول على هذه النازلة؟ وما علة عدم إلصاق التهمة بالشماعتين اللتين تتحملان وزر فشل المنظومة التربوية المهترئة حسب التقارير التقويمية الوطنية والدولية الأخيرة؟ الإسلام أدان الغش ونهى عنه وتبرأ من مرتكبه، وفلسفة المجتمع ومنظومة قيمه -الموسومة بالدينامية- أيضاً، ولكن شتان بين التنظير والواقع، فالحركية التي يعيشها المجتمع وتردي الوضع القيمي وتراجع أدوار مؤسسات التنشئة الاجتماعية وبروز مجموعة من الظواهر المشينة والهدامة التي اجتاحت صفوف أطفالنا ومراهقينا بشكل مرعب، جعل قطار مؤسساتنا التربوية يزيغ عن سِكَّته في تمنيع وتحصين المتعلمين ومدهم بالقيم والاتجاهات التي تجعلهم يسهمون في تنمية بلادهم والمساهمة في مسلسلها الإصلاحي التنموي، ويهدد مصداقية امتحاناتنا الشهادية ويضرب مبدأ تكافؤ الفرص في العمق. الأحرى أن تنتهج السلطات التربوية مقاربة علمية شمولية لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، التي ما فتئت تتنامى زمكانياً حد الالتصاق بالشخص ومصاحبته عبر محطاته الحياتية، علماً أنه لا يختلف اثنان حول أسبابها وتمظهراتها وآثارها، بل وطرق علاجها ومكافحتها. إلا أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني انتقت المقاربة الأمنية كحل أولي، أقل ما يمكن القول عنه إنه ترقيعي، حسب مجموعة من المتتبعين والخبراء في التربية، ويضفي الطابع البوليسي على المؤسسة التربوية التي سيجت أغلبها وأسست مراكز امتحاناتها بكاميرات مراقبة متطورة، في حين أن المتعلم أصبح مضطراً إلى توقيع التزام خطي بمعية ولي أمره يقر من خلاله أنه يلتزم بمقتضيات قانون زجر الغش في الامتحانات المدرسية، ومهدداً بالمتابعة الجنائية في حالة ضبطه متلبساً في حالة غش، التي تتراوح عقوباتها بين الغرامة المالية والسجن، سواء بتبادل معلومات كتابية أو شفوية داخل فضاء الامتحان أو حيازة وثائق ومخطوطات غير مرخص بها أو التسريب والمتاجر في مواضيع الامتحان من طرف مسؤول أو غيره.. فهل سنحول النشء لدينا ضحايا نظام تربوي فاشل أو ظروف ذاتية نفسية أو اجتماعية معينة إلى أرباب سوابق؟ أسئلة مؤرقة تفرض نفسها بعنف شديد، وسط هذا الزخم من الإجراءات الوقائية الزجرية التي لاقت ردود فعل رافضة لدى الغرب منذ زمن ليس باليسير، أصبح لزاماً التفكير في أنسنة الإجراءات والقوانين للخروج بحلول جذرية للظواهر المستشرية التي تطفو على سطح معيش الجماعات البشرية بفعل التطور المطرد، قصد اقتلاع الأسباب الحقيقية من جذورها، مع الاحتكام إلى مشروع مجتمعي توافقي ورؤية مستقبلية شمولية تتوسل الجانب القيمي السلوكي لبنة أساس، وتضع إشكالية التقويم ونظامه ضمن أولوياتها. وفي انتظار تحقق أضغاث أحلامنا يبقى السؤال مطروحاً ومشروعاً عن هوية مسرب امتحان الرياضيات. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.