×
محافظة الحدود الشمالية

إعفاء مدير أحوال الشمالية بعد مقطع “حبو المسنة المعاقة”

صورة الخبر

جاء كتاب (حكاية التديّن السعودي) ليكشف جانباً من ممارسات الصحويين، وتعسفهم في فرض أفكارهم على مجتمع متصالح، يجيد صناعة الحياة، ويحب وطنه، ومسكون بثقافة الإنتاج، منصرف عن الثنائيات والجزئيات الاستعراضية في الخطاب الآيديولوجي. ونجح الكاتب وحيد الغامدي في تناول سيرة الصحوة من خلال وقائع وأحداث دون تجنٍ ولا مبالغة. مؤكداً أن الصحوة أفرغت التدين من مضمونه، وأحالته إلى شكلي، وهنا نص الحوار: • لماذا حكاية التدين السعودي؟ •• هو كتاب يحاول أن يحكي حكاية هذا الواقع الذي عشناه، الواقع الفكري والديني والتربوي الذي صقل شخصية الإنسان السعودي وجعلها بهذه الصيغة. لم أحاول أن يكون الكتاب نقدياً للحالة التديّنية؛ كونه مجرد دراسة تاريخية تحاول استكشاف عناصر التأثير والتأثر التي شكّلت تلك الحالة وصنعت تعقيداتها الخاصة. هو باختصار حكاية ثقافة ماثلة، وتساؤل عن «كيف تمت صناعة هذه الثقافة؟ وكيف تصنع هذه الثقافة تبدّياتِها الخاصة بها ؟» إنها ببساطة حكاية تحاول أن تجيب على الكثير من الأسئلة التي يحتار في إجابتها من يعيش داخل هذا المجتمع، فكيف بمن يعيش خارج الحدود؟ • هل جاء الكتاب في وقته؟ •• آمل ذلك، بل ربما أعتقد أنه تأخر قليلاً، ولكن على أية حال هو ثمرة وقته بلا شك. فربما أسهمت الكثير من العناصر الزمنية وبعض الأحداث في صناعة وتشكيل هيكل الكتاب وموضوعاته، ولكن لا أتصور أنه يمكن تأخيره أكثر، ولا حتى تأخير فسحه أو السماح به في معارض الكتب، وذلك لأن الموضوعات التي طرحت لا أتصور أنه يمكن تأخير نقاشها أو تأجيله أكثر. • لماذا تعمدت أن تصف العمل بالحكاية، ألأن الحكايات تاريخيا موضع جدل ولا مؤاخذة عليها؟ •• إطلاقاً.. فالكتاب ليس حكاية سردية، بل تسلسل بحثي موثّق بالمراجع الكثيرة والمعتمدة من داخل البيئة الدينية المحلّية نفسها، لكن توصيف (الحكاية) جاء لأن هذه الحالة الدينية لها بداية وحملت بداخلها انعطافات درامية وأحداث ساخنة، كما أن لها شخصيات أيضاً. وبالتالي فهي حكاية تحمل عناصر الزمان والمكان والإنسان، كما أن لها جذورها الممتدة تاريخياً وجغرافياً. الصورة الحكائية هنا هي في ذلك التسلسل والامتداد الزمني الذي يشرح ويفسّر كافة التعقيدات التي تكتنف هذه الحالة المعاصرة. • كيف تعاملت مع ردود أفعال تخلط بين الدين والتدين؟ •• هي هذه المشكلة، لقد تحول التديّن إلى حالة ثقافية خاصة لها سماتها البيئية والاجتماعية التي يمكن وصفها بـ(الماركة الثقافية) للمجتمع السعودي. وأخشى أن تتحول هذه الحالة من التدين وما تحمله من سمات خاصة إلى (قومية) تؤطر لمفاهيم مجتمع كامل. فتخرجه بذلك عن الدين وعن الهوية في وقت واحد. لقد أسهمت الكثير من أفكار المزايدة على قيم الدين في صناعة مناخ من التديّن يعاني في ذاته من فجوة زمنية كبيرة بينه وبين الواقع. كما صنعت استراتيجية المزايدة على بعض القيم أجيالاً تفتقد التوازن والانسجام النفسي مع الواقع، إضافة إلى أنها تفتقد لمقومات التعايش مع شرائح المجتمع المتعددة، وتعاني من حالة امتلاء الذات بالشعور بالنقاء العقدي والديني وإقصاء الآخر المختلف. هذه الحالة من التدين ليس شرطاً أن تتلبس لبوس الدين أو تتمظهر بمظهرياته الشكلية، بل بإمكانك أن تجد تجلّياتها الثقافية لدى أسوأ الأفراد سلوكاً، ولذا قلت: إنني أخشى أن تتحول هذه الحالة من المفاهيم التي تأخذ شكلها الديني إلى قومية في مجتمع يفترض به الوثب الحضاري من أجل المنافسة في زمن وثَبَت كل المجتمعات وتصالحت فيه مع ذاتها وواقعها وانطلقت تبني لأجيالها المستقبلية واقعاً أجمل. • ألا ترى أن للتدين في مناطقنا أيضاً حكاية؟ •• أشرت في الكتاب إلى النجاح الذي حققته الصحوة في (تنميط) مجتمع كامل يحمل تاريخياً وجغرافياً عناصر التنوّع الطبيعي لهذه الأرض، إلا أن الصحوة عملت على بث ثقافة موحّدة ذات لون ونكهة واحدة قتلت ذلك التنوّع، ولم تثمر في صناعة المفهوم الوحدوي/ الوطني المفترض، بل صنعت مفاهيمها الوحدوية الخاصة التي تخدم أجندة آيديولوجية معينة. وبالتالي فقد حصل شيء من الانصهار الثقافي، لكنه لم يكن وطنياً خالصاً، بل كان آيديولوجيا عمل على قيم ومفاهيم معينة حتى ضاعت الوطنية الحقيقية أو تشوّهت تقريباً وأذابت تدريجياً الهوية القائمة على ذلك التنوّع الجميل. وبالتالي فحكاية التديّن في مناطقنا هي حكاية موجعة؛ حكاية تلخّص تحوّل الإنسان من كائن مسالم مرحِّب بشوش يحمل بين جنبيه قيم الفرح والبهجة إلى كائن يحمل كل عناصر التوتّر والتشنّج عند رؤية أي اختلاف طبيعي بين البشر. • كأنك رصدت في كتابك الإشكالات ولم تقترح بدائل وحلولا، ألا يمكن تضمينه مقترحات وحلول؟ •• في الحقيقة إن ما طمحت إليه أثناء الكتابة هو تسليط الضوء على الكثير من الأفكار للنقاش. هذا الأمر بحد ذاته يكفي كمرحلة أولى ندخل بعدها جميعاً في مرحلة من استكشاف ذواتنا جيداً؛ من أجل الدخول في حالة من المراجعة الذاتية الشجاعة والحرّة. إن فكرة (الحل) قد تبدو ساذجة حين نطرحها في كتاب، وذلك لأن أي حل يمكنه أن يتوجه إلى تعقيدات ثقافية متجذرة بحجم مجتمع لا بد له أن يكون له هو الآخر حكاية أخرى تتطلب زمناً طويلاً كي ينضج فيه ليتمكن من فك تلك التعقيدات على يد أجيال متعاقبة. • عمدت إلى إجراء حوارات مع عدد من الكتبة.. هل أردت أن تقول للقارئ وللرقيب «لستُ وحدي»؟ •• لا أعتقد أنني أردت أن أقول شيئاً من هذا، لقد جاءت تلك الاستضافات عفوياً، لكنها تخدم الأفكار الكثيرة التي جاءت في الكتاب كحالات تمثل شهوداً أدلوا بشهاداتهم على ما تعرضوا له من منظومة «التديّن»، تلك الشهادات أردتُ أن تكون للتاريخ، لأجيال قادمة، لعلّها تسهم في إحداث شيء من المراجعة الذاتية أو تقويم الذات وتصحيح المسار، تلك الحالة التي أشرت إليها أعلاه في الأسئلة السابقة بـ«انعدام القدرة على التعايش مع الآخر المختلف ناهيك عن المخالف» هي ذاتها التي يجب عليها أن تعيد النظر في وعيها الإقصائي. • ألم تتأثر بالصحوة وتجري مع تيارها؟ •• كابن من أبناء المجتمع نعم مررت بما مرّ به الكثيرون، لكن عناصر الانقلاب التي تشكّلت في ذهني كانت مبكرة وأنا في العشرين من العمر، حين كنت ألحظ كيف يقومون بالوصاية على ماذا ينبغي عليّ أن أقرأ، ومن ينبغي أن أصاحب، وكيف يجب أن أفكّر، حينها لم أحتمل كل هذا الاستلاب للإرادة، ثمّ توصلّت بشيء من الفطرة المبكرة إلى أن أي تجمع حاضن هو بالضرورة يعمل على تذويب إرادة وفردانية الإنسان الواحد لصالح إرادة ذلك التجمع، حينها وصلت لمرحلة الافتراق مع تلك المجموعات بعد أن اعتقدت أنني أخلصت لهم جيداً، لقد زحفت على جسدي في المعسكرات والمخيمات التي كانت تقام آنذاك حتى دميت يداي وتجرح صدري حين كنت فتى في الثامنة عشرة من العمر، أعتقد أنني عملت بإخلاص لتلك القيم، ولهذا فحين تركت تلك المجموعات وتركت تلك الأفكار بعد ذلك فقد تركتها وأنا مدين لشيء منها ببعض التجربة التي لا أخجل من طرحها اليوم كجزء من تكويني الشخصي. كان الافتراق مع تلك التجمعات قبل أحداث سبتمبر، أي قبل أن تصبح عمليات التغيير الثقافي موضة عند كثيرين، لقد كانت قناعة عميقة تجذرت مع الزمن، وباتت الأحداث تؤكد خطورة ما تبثه ثقافة تلك التجمعات، وتلك الحقبة إجمالاً. • لماذا ينقم بعض الكتاب على رفاق الأمس، وتكثر الانشقاقات بينهم، وحيد نموذجاً؟ •• أنا لم أنقم على أحد، ولست ناقماً على أي إنسان، قد أنقم على الأفكار، لكن البشر الذين يقتنعون بهذه الأفكار ويعتنقونها أعيش بينهم، منهم أقارب ومنهم زملاء في العمل، ومنهم مجتمع كامل أتعامل معه. يجب أن نصل إلى مرحلة نفرّق فيها بين الإنسان وأدواته في التفكير، مهما كانت أفكار هذا الإنسان، يجب أن يبقى تعاملنا معه على الأسس الإنسانية المفترضة، هذا ما أحاول إشاعته في محيطي على الأقل، والكثيرون بدأوا يفهمون هذه النقطة ويتعايشون معي من خلالها. أما قضية الانشقاقات الفكرية فهي دلالة على حياة هذا الفرد وحيويته الذهنية، إذ إن الكثيرين ممن رضوا بالوعي الذي توقف عند حقبة الثمانينات على نوعين: إما أنهم مساكين منصهرون في ذلك الوعي المتوقف عند تلك الحقبة، ويعانون من تناقضات فظيعة في ذواتهم ومستسلمون تماما، وإما أنهم منتفعون من تلك الحالة (التحزبية) التي صنعت لهم شيئاً ما، أو منتفعون بسيطرتها على الفضاء الاجتماعي، في ما عدا ذلك فإن عمليات الخروج من تلك الشرنقة قائمة على قدم وساق وبشكل مستمر. • ألا ترى إمكانية عودة الصحوة في ثوب جديد؟ •• في لقاء تلفزيوني قبل أشهر ذكرت أن هناك من يمكن أن نطلق عليهم «الصحويون الجدد»، وهم جيل جديد من الرموز لا يلتزمون بالمظهر الدارج عند الناس عن الإنسان الصحوي، أي يمكن أن يكون حليقاً ومتأنقاً جداً ومتمظهراً بثوب الحداثة، لكنه يحمل ذات العناصر الصحوية مقولبة هي الأخرى في ثوب جديد معاصر. و«سنن التاريخ» تعلّمنا استحالة عودة الزمن للوراء. والصحوة كانت عبارة عن حشد جماهيري ظرفي، انتهى تماماً ذلك الحشد وذلك الظرف، وبالتالي فيستحيل عودة الصحوة إلا في مثل هذه الثياب الجديدة التي تحاول ردم الفجوة المنطقية بينها وبين الواقع، والتي أشرت إليها في أسئلة سابقة. وحتى في هذه الإستراتيجية الجديدة فالصحوة هنا لا تعكس سوى بداية أفولها كثقافة حاضنة، وبالتالي فالمستقبل هو لأجيال جديدة لها طموحاتها النهضوية ولها منطقها الخاص في التفكير الذي تجاوز حدود البيئة والمفاهيم التقليدية. علينا جيداً رصد أفكار هذا الجيل الآن لنتبيّن ملامح الثقافة المستقبلية التي من المؤكد أنها ستقوم على أنقاض الثقافة الدارجة.