قبل أيام قليلة وأثناء مشاهداتي لأحد البرامج الساخرة التي تنتقد أداء الإعلام شاهدت لقاء مع أحد ممن يطلق عليهم بــ"مفسري الأحلام" على إحدى الفضائيات المصرية، وكانت المذيعة تطرح عليه سؤالاً من إحدى الفتيات والتي تقول إنها "حلُمت بأن خطيبها قد قام بعمل بلوك لها على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك"، وعلى الفور جاء الرد والتفسير العجيب للحلم من هذا الرجل بقوله: "البلوك في الفيسبوك يعني ما بتصليش"، مما أصابني بحالة غريبة من الذهول والدهشة، كيف هذا يا هذا؟ من أين أتيت بهذا التفسير الغريب العجيب وما هذه السرعة والبديهية الموجودة عندك؟ وهل استندت في تفسيرك على أصل شرعي أو حتى منطقي؟ أهو إفلاس أم أنه تجهيل متعمد تقوم به بعض وسائل الإعلام التي ابتليت بها مجتمعاتنا بغرض إلهائها عن قضاياها المصيرية المهمة؟ لا شك أننا نعيش في زمان بات الجميع فيه يهرف بما لا يعرف وإلى الله المشتكى. وبالعودة إلى موضوعنا الأصل وهو ثقافة "البلوك" فزر أو خيار البلوك هو وسيلة تقوم المواقع والتطبيقات بوضعها من أجل هدف معين ومحدد هو منع أولئك المزعجين والمتطفلين من مضايقات رواد هذه المواقع والتطبيقات أثناء استخدامهم لها ودخولهم بعالمها الفسيح، ولكنني أجد بعض العرب ومن خلال مشاهداتي العديدة ورؤيتي لقصص واقعية بل تجارب شخصية يسيؤون وبشكل فج الاستخدام لهذا الزر وهذه الخاصية. فللأسف الشديد، أضحت ثقافة الحوار والنقاش بين البعض منعدمة وأصبح أي شيء يطرح للنقاش، والحوار غالبا لا ينتهي بأي حال من الأحوال أو يمر بسلام، وكثيرا ما أرى العديد من التعليقات التي تكون بشكل غير لائق والمحتوية على سب وتجريح وإهانات وألفاظ عنصرية وإثارة لنعرات قبلية ومذهبية وإثنية. ويأتي بالأخير زر "البلوك" ليكون الخاتمة المكملة لتلك الحوارات والنقاشات الساخنة مع الأسف الشديد. بل إن المحادثات الخاصة كذلك أصبح لها نصيب كبير من استعمال هذا الخيار المظلوم عندنا، والذي لا يلجأ إليه حسب زعمي سوى المفلسين ضعيفي الحُجة! فهل يعني اختلافي معك وتباين وجهات نظرنا حيال أمر ما أو مسألة معينة أن تقوم بتجريحي والإساءة إليَّ وفي النهاية تقوم بحظري؟ أليست هذه أخلاقا ذميمة وضعف حجة وجبنا وتخاذلا وهروبا من الاستمرار في النقاش؟ وهل وجد هذا الزر لذلك الأمر؟ وإن كان الواقع كذلك فما الحل؟ أرى أن هذه الثقافة الذميمة يجب أن تسلط عليها الأضواء ويجب على المناهج التعليمية بل وخطب الوعظ والإرشاد فوق المنابر والتجمعات العلمية أن تشير إليها وأن تنبه إلى خطرها في مجتمعاتنا وبين شبابنا وأبنائنا، وأنه يجب أن نسلك المسالك اللائقة في حواراتنا ونقاشاتنا وأن نربي الأجيال القادمة على ثقافة احترام الآخر وعدم الهروب من المواجهة والرقي في اختيار الكلمات أو ترك الجدال والنقاش والابتعاد عنه إن كان مؤداه لا يأتي بخير.