×
محافظة المنطقة الشرقية

شهد إقبالاً غير مسبوق..”عرعر 37″ يواصل تألقه بعروض الخيل

صورة الخبر

يتميز الإنسان عن باقي المخلوقات بالقدرة على تصور الأشياء غير الحاضرة أمامه، وبناء على المعلومات والوصف يستطيع أن يشكِّل في ذهنه قدراً معتبراً من موقف ما ويستخلص نتائج تساعده في رؤية هذا الموقف الذي لم يشهده. وفي القرآن الكريم تشبيهات يغلب عليها التصوير الحسي الذي يجعل المشهد المحسوس حياً متحركاً وبارزاً مشخصاً. هذا ما سنتحدث عنه في حلقات من خلال دراسات وتفاسير وآراء لعدد من علماء علوم القرآن. (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، (الأحقاف: 29 - 30). الجن عالم من مخلوقات الله عز وجل، أجسامهم نارية الأصل، لهم خاصية التشكل والاستتار، يروننا ولا نراهم على خلقتهم الحقيقية، منهم مؤمنون وأكثرهم كافرون، وسموا جناً لاستتارهم وعدم رؤيتنا لهم، قال المفسرون.. خلق الله الإنس والجن لعبادته، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، والجن كلهم مكلفون كالإنس، منهم المطيع والعاصي، ومقتضى هذا التكليف أن يقوموا بما أمرهم الله تعالى به من طلب العلم والصلاة، ولا يمكن أن تكون منهم صلاة بغير قراءة قرآن، وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أن منهم من سمع القرآن من النبي، صلى الله عليه وسلم، وأنهم آمنوا به وذهبوا إلى قومهم مبشرين ومنذرين. من قصص الغيب ذهب أغلب التفاسير إلى أن هذا المشهد أو الموقف هو من قصص الغيب حيث ينبئنا الله تعالى عما حدث مع رسوله، صلى الله عليه وسلم، ونفر من الجن وقد كان تدبيراً من الله أن يصرف هؤلاء النفر من الجن إلى استماع القرآن، ولم يكن مصادفة عابرة، ويرسم النص مشهد هؤلاء النفر، وهم يستمعون إلى القرآن، في جو من الروعة والتأثر والرهبة والخشوع طوال مدة الاستماع، كما يصور النص الأثر الذي انطبع في قلوبهم من الإنصات للقرآن، فقد استمعوا صامتين منتبهين حتى النهاية، فلما انتهت التلاوة لم يلبثوا أن سارعوا إلى قومهم، وقد حملت نفوسهم ومشاعرهم منه ما لا تطيق السكوت عليه، أو التلكؤ في إبلاغه والإنذار به. ولوا إلى قومهم مسرعين يقولون لهم: إنا سمعنا كتاباً جديداً أنزل من بعد موسى، يصدق كتاب موسى في أصوله، فهم إذاً كانوا يعرفون كتاب موسى، وأدركوا الصلة بين الكتابين بمجرد سماع آيات من هذا القرآن، ثم عبروا عما خالج مشاعرهم منه، وما أحست ضمائرهم، فقالوا إنه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ووقع الحق والهدى في هذا القرآن هائل ضخم، ومن ثم لمس هذه القلوب لأول وهلة، فإذا هي تنطق بهذه الشهادة. يقول الشيخ محمد إسماعيل السيد، الباحث في هيئة الإغاثة الإسلامية بمكة المكرمة: بينما كان رسول الله يتلو القرآن في خلوة بعيداً عن المشركين، إذ وجه الله سبحانه إليه مجموعة من الجن، فلما سمعوه، قال بعضهم لبعض اسكتوا حتى نستمع وجعلوا يستمعون، فلما انتهى رسول الله من التلاوة، رجعوا إلى قومهم لينذروهم، بعد أن مس الإيمان شغاف قلوبهم وآمنوا به، فقالوا لقومهم يا قومنا لقد سمعنا بضع آيات من كتاب جديد، أنزله الله من بعد موسى فيه ما يصدق التوراة، وما قبله من الكتب المنزلة من عند الله، وهذا الكتاب يهدي إلى الحق ويدل على طريق الحياة الكريمة المستقيمة، فآمنوا به يغفر الله لكم ذنوبكم، ويقيكم من عذابه الأليم الذي أعده للكافرين، ومن لا يستجيب لدعوة هذا النبي الكريم فإن الله سيهلكه. ليلة الجن مشهد حضور الجن للاستماع للقرآن الكريم فيه لقطات متتابعة وصور ترسم جلال هذا الموقف وعظمته وهم ينصتون لصوت النبي، صلى الله عليه وسلم، ويفهمون ما ترشد إليه هذه الآيات الكريمة، بل يدعون قومهم للإيمان به، قال القرطبي في (تفسير القرطبى): إن الجن مخاطبون مكلفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء، مؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك، وقد صح في السنة النبوية ذهاب النبي، صلى الله عليه وسلم، لطائفة من الجن يعلمهم الشرع ويقرأ عليهم كتاب الله، فعن علقمة قال: سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة الجن؟ قال: لا.. ولكنا كنا مع رسول الله ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا: استطير أو اغتيل، قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء، قال: فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن.. (رواه مسلم)، وكل ذلك يدل على أن الجن مكلفون، فمن دخل منهم في الإسلام فهو مأمور بالصلاة وقراءة القرآن. يقول محمد عبد القادر الشنقيطي في تفسيره (أضواء البيان في إيضاح القرآن): النفر ما دون العشرة، وإنهم لما حضروا تلاوة القرآن قال بعضهم لبعض (أنصتوا)؛ أي اسكتوا مستمعين، وإنه لما قضى؛ أي انتهى النبي، صلى الله عليه وسلم، من قراءته (ولوا) أي رجعوا إلى قومهم من الجن في حال كونهم منذرين، أي مخوفين لهم من عذاب الله إن لم يؤمنوا بالله، ويجيبوا نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم، وأخبروا قومهم بأن هذا الكتاب الذي سمعوه يتلى يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه، وقد دل القرآن العظيم أن استماع هؤلاء النفر من الجن، وقولهم ما قالوا عن القرآن كله وقع ولم يعلم به النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى أوحى الله ذلك إليه، كما قال سبحانه في القصة بعينها مع بيانها وبسطها بتفصيل الأقوال التي قالتها الجن، بعد استماعهم القرآن العظيم.