تشدني الكتب والبرامج التي تتناول مرحلة المراهقة في عمر الإنسان، وأتابعها بنفس الحماس الذي يتابعه البعض عن الأسهم والعقار والذهب والفضة ومباريات الدوري الأسباني.. ولي أسبابي والتي ألخصها في أن لدي إيمانا عميقا بأهمية هذه المرحلة في تكوين الفرد، وكذلك لنفي تهمة جهل أسرار الحياة عني، والتي أصبح بعض المراهقين يجدونها أنسب الإجابات لتجاهل الكبار لمشاكلهم والقذف بهم بين البيت والمدرسة وإلقاء المعلومات في رؤوسهم دون الربط بين هذه المعلومات وحياتهم اليومية. ولأن هذه المرحلة تدخلني كغيري من الآباء والأجداد في تحد جديد مع إمكانية الفرد وقدرته على إدارة الحياة. والحديث عن مرحلة المراهقة مليء بالمتناقضات، فهناك من يرى أن هذه المرحلة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت ومعجونة بالتسرع والاندفاع والخبرة القليلة والقرارات الخاطئة وغير المحسوبة، وآخرون ــ وأنا منهم ــ يرون عكس ذلك أنها مرحلة الإعداد والابتكار والأفكار الجديدة الطازجة، وأنها فترة من حقها أن تجد لحظة الارتياح والانتباه، فهي مرحلة تساوي ألف عمر، يعيش الطرفان فيها في قارب حقيقي واحد ويبحران في نهر هذا الزمن الشرس الذي يمارس تهميش هذه المرحلة المهمة في حياة الفرد، وأن واجب الوالدين زرع الثقة والقدرة في هذا الكائن المليء بالأحاسيس والعواطف؛ ليواجه أمواج التهميش، وليقول للحياة: أنا أملك المستقبل دون توتر واكتئاب. ولقد شعرت بارتياح كبير أن أجد عالما تربويا أمريكيا احترم أفكاره كالدكتور( كفن ﻻماني) يشاركني نفس الرأي في مؤلفه القيم (كيف تساعد المراهق على النمو دون دموع). والدكتور (كفن ﻻماني) مؤلف لأكثر من 16 كتابا عن كيفية تنشئة المراهقين، ولديه برنامج خاص يذاع في المذياع بعنوان (حديث الوالدين). والمتتبع للمؤلفات الحديثة والبرامج المتخصصة التي تتناول العلاقة التي يجب أن تكون بين المراهق وعائلته في القرن الواحد والعشرين؛ يجد أن هناك اتجاها كبيرا نحو التوقف عن التفكير بلغة الواعظ والتخويف والترهيب والتهديد في التعامل مع المراهق، والاتجاه نحو التواصل مع هذه المرحلة بلغة الفهم المشترك والحوار الحضاري؛ وذلك حتى ﻻ نصبح ككبار كائنات هزيلة يراها المراهق سدودا في طريق مستقبله على رأي (بن كمناي)، والذي يقول في كتابه (تنشئة مراهق مفكر): إن علينا أن نتوقف عن لعبة النفاق مع الأبناء، وذلك عندما نقول لهم: اختلفوا معنا بشرط أن تكونوا نسخا مكررة منا. كذلك نجد أن معظم المؤلفات الحديثة في هذا الشأن اهتمت اهتماما كبيرا بإعطاء مشاكل المراهق الحجم الفعلي والحقيقي، وعدم التعامل مع هذه المشاكل على أنها «حكاوي» هامشية وأعذار مختلفة لتبرير موقف. تقول (آن بريارا) في كتابها الحزين عن فقدان ابنها (ستيفن)، والذي أطلقت عليه (وداعا ستيفن): إن تهميش مشاكل المراهق في زمان الحزن والقهر والاكتئاب والتي تملأ سماء عالم اليوم، تخلق لدى المراهق شعورا بالوحدة، وقد يدفعه هذا الشعور الأليم أحيانا إلى رفض الحياة، وهذا ما حدث لـ (ستيفن). ﻻ شك أن الحياة مع مراهق تحت سقف واحد لحظات ــ كما قلت في البداية ــ تساوي ألف عمر، وبيدك تحويل هذه المرحلة إلى رحلة مثيرة للبحث المشترك عن الكنز المفقود وتحقيق الأحلام وتحويل المستحيل إلى ممكن وواقع ملموس، وذلك بأن تسمح لهذا الكيان الإنساني المفعم بالحيوية والأفكار الطازجة بالمشاركة في حياة الأسرة، أو أن تعتبر أن هذه المشاركة مثالية ﻻ داعي لها وخطوة سابقة لأوانها وخيال تربوي نظري. وأعتقد أن ذلك من حقك، فقط لا تستغرب أن يجد ابنك من يبيع له وهم التعبير عنه، وهم في أيامنا هذه على قفا من يشيل!!.