الخطوات العسكرية المتباعدة التي تتخذها روسيا والولايات المتحدة، الأولى في إيران وسورية والثانية بالقرب من الصين وكوريا الشمالية، تعكس الافتراق الكبير في اهتمامات الدولتين الكبريين، وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط. ففي حين مدّ الروس انتشارهم العسكري إلى إيران، في سابقة منذ العام 1941، وأرسلوا إلى إحدى قواعدها قاذفات استراتيجية لقصف مواقع يتبع معظمها للمعارضة السورية المعتدلة، كان «البنتاغون» يعلن حشد قاذفات أميركية مماثلة في جزيرة غوام في المحيط الهادئ، على بعد آلاف الأميال من سورية، حيث يسود توتر بين القوى الإقليمية نتيجة النزاع على الموارد. رد فعل واشنطن الذي كشف علمها المسبق بالخطوة الروسية، على رغم أنها «فوجئت» بالتوقيت، جاء ليؤكد أن ما فعلته موسكو لم يتخطّ حدود الاتفاق على تلزيم «الحل» في سورية إلى الروس. فالأميركيون المنكفئون لديهم أولوية وحيدة: دحر تنظيم «داعش»، من دون اهتمام فعلي بما سيحصل لاحقاً، وهم سيتعاطون مع الوقائع المستجدة في وقتها، مثلما يفعلون في العراق، وقد يوافقون على الطرح الروسي الذي قبلته تركيا بتشكيل حكومة «وحدة وطنية» في سورية تشمل الأسد، على رغم ميلهم الى وجوب رحيله. ومن الواضح أن إسرائيل أيضاً كانت على علم مسبق بالإجراء الروسي، وإلا لكانت رادارتها ستعتبر القاذفات «المجهولة» المنطلقة من إيران باتجاه سورية عبر العراق تهديداً مباشراً لأمنها، ولأطلقت صافرات الإنذار في مدنها. لكن هل لنشر القاذفات الروسية الذي أكدت إيران أنه ليس دائماً، تأثير كبير على سير المعارك في سورية، وخصوصاً في منطقة حلب المستعصية على خطط موسكو وطهران؟ من المفترض أن تكون موافقة إيران على هذا الخرق الطوعي للسيادة الوطنية، ولو كان موقتاً، أملتها أسباب تفوق بأهميتها قرار السماح بنشر قوة أجنبية على أراضيها. صحيح أن هناك مصالح كبيرة مشتركة بدأت تتبلور بين موسكو وطهران بعد رفع العقوبات الدولية عن الأخيرة، لكنها لا تبرر وحدها مثل هذه الخطوة، إلا إذا كان الإيرانيون يستشعرون خطراً وشيكاً يتهدد ما يعتبرونه «معركة مصير» في حلب التي يستهدفها القصف الروسي بشكل خاص. والواقع أن القوات الإيرانية، من «حرس ثوري» وميليشيات شيعية متعددة الجنسية، تلقت صفعة قوية في حلب قبل نحو أسبوعين عندما نجح المعارضون السوريون في فك الحصار عن شرق المدينة، ويواصلون هجماتهم في مناطق أخرى منها متوعدين بتحريرها بالكامل. وعنى ذلك أن القيادة الإيرانية لمعركة حلب تواجه صعوبات تدفعها إلى الاستعانة أكثر بالدعم الجوي الروسي، مع ما يستلزمه ذلك من القبول بمطالب روسية بينها استخدام القواعد الإيرانية، علماً أن خبراء عسكريين غربيين يعتقدون جازمين بأن هذا الانتشار لا يشكل فرقاً كبيراً على الصعيد العسكري، لأن القصف الروسي متاح من قاعدة حميميم ومن السفن المنتشرة قبالة الساحل السوري، ومن جنوب روسيا نفسها، ولم يمنع مقاتلي المعارضة من التقدم. من الواضح أن نتائج معركة حلب أربكت حلفاء نظام الأسد، كونها فضحت عجز مرتزقة طهران، ودفعت موسكو الى استعراض مسرحي لقوتها بعدما عجز طيرانها وصواريخها عن حسم المواجهة، ذلك أن هدفها الفعلي تقديم دعم معنوي إلى إيران ونظام الأسد، وتوجيه رسالة إلى العالم بأن روسيا هي التي تدير معركة سورية، وأنها الطرف الأقدر على ملء الفراغ الأميركي في المنطقة.