نفث الحاقدون ما في نفوسهم، وقال الجاهلون بالتاريخ والتراث ما قالوا عن الجزيرة العربية، ولكنها ستبقى مهد الحضارات التي رفدت العالم بالكثير مما لا يقل عما قدمته حضارات أخرى. لكن تبقى أزمتنا مع الكتاب والمفكرين كبيرة ليس فيما يخلج في نفوسهم فحسب بل في جهلهم بالتاريخ، وقولهم ما يخالف الواقع والمنطق بل والحقيقة، إنه التجني على التاريخ. فمن ذا الذي لا يعلم أن اللغة العربية انتقلت من الجزيرة العربية مع الإسلام إلا إذا كان قائل غير ذلك جاهلاً قاصر النظر، لا يفقه في التاريخ وحضارات الشعوب والأمم شيئاً. ما ذكره الكاتب المدعي معرفته بالتاريخ يوسف زيدان حول الجزيرة العربية لا شك أنه كان صادماً بمعنى الكلمة لكل من سمع محاضرته، وهو يتجنى على الجزيرة العربية مهد الحضارات ومهبط الوحي وموطن ديننا الحنيف، وينعت أهلها بأوصاف واصمة، ما أثار جدلاً واسعاً في ندوة أقيمت ضمن المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية تويزا بمدينة طنجة في المملكة المغربية، لم يستسغ أحد إساءته للجزيرة العربية، ووجهت إليه انتقادات لاذعة هناك، وقوبل باستنكار عام من الشارع العربي على مواقع التواصل الاجتماعي. أبلغ من كل ذلك كان رد الدكتور عيد اليحيى الذي فاض أدباً وعمقاً وتعمقاً في التاريخ العربي، وعلّم زيدان درساً ليس فقط في العلم الصحيح بالتاريخ وحضارة الجزيرة العربية فحسب، بل في أسلوب الخطاب والأدب في الرد والتعليق ليبهر من سمعه بعلمه الواسع وأدبه الجم. ويبقى السؤال ما الذي يدفع من يقطر سماً وجهلاً أن يتطاول على ما يعد نجماً بل شمساً لا تخطئها العين، وأن يتعمد الإساءة إلى تاريخ الشعوب وحضاراتها دون داعٍ، قطعاً هو ليس في سياق سرد التاريخ أو إعطاء معلومة، بل هي نفوس أقل ما يمكن وصفها به أنها مريضة وحاسدة وحاقدة، فتخرف في مهرجانات كبيرة، وتسيء إليها وإلى منظميها قبل أن تسيء إلى من تخطئ في حقهم.