كانت الصحافة ولم تزل عند بعض الصحفيين تحمل صفة وعنوان «مهنة المتاعب» لاسيما عندما يتعرض الصحفيون خلال أداء أعمالهم ومهامهم الصحفية لمخاطر جمة قد تُودي بحياتهم أو تتسبب لهم في مساءلات وربما اعتقالات ومحاسبات، ولذلك فإن مسمى مهنة المتاعب مناسب لهذه المهنة التي تجلب لأصحابها المتاعب، ولكن إذا تحولت المهنة نفسها عند بعض الصحفيين إلى مجرد وظيفة روتينية خاملة تدار عن طريق المكاتب ويسعى القائمون عليها إلى تحقيق المكاسب الخاصة ويكون همهم الأول والأخير صورهم البهية المنشورة مع المواد الصحفية، فإن مهنة الصحافة في هذه الحالة تصبح مهنة الصور والمكاتب والمكاسب! فالصحفي الذي يجلس في مكتبه بالجريدة ثم يتصل بأقسام العلاقات العامة والنشر في الإدارات الحكومية ويطلب منها إرسال ما لديها من أخبار جديدة مصورة تود تلك الإدارات نشرها فتصل إلى مكتبه عشرات الأخبار فيضع اسمه الكريم عليها ثم يرسلها للصحيفة بالإيميل أو الفاكس قبل إكماله لكوب القهوة، هو إنسان لا يمارس مهنة فيها أي قدر من المتاعب بل وظيفة مكتبية سهلة بليدة ليس فيها إبداع ولا تجديد حتى إن هذا النوع من الصحفيين لا يكلف نفسه «مشقة»!! الاتصال بأقسام العلاقات والنشر لطلب إرسال أخبار الإدارات عبر الفاكس أو الإيميل، ولكنه يجد ما يطلبه موجودا على الجهاز «وبالكوم» فيختار من تلك الأخبار ما يشاء ويقوم بإعادة الإرسال لتصل إلى تحرير الجريدة الذي قد لا يحرر «ولا يهبِّب» بل ينقل تلك المواد الصحفية من الجهاز إلى الصفحة المخصصة من أخبار محلية أو رياضية أو اقتصادية أو علمية أو دينية أو ثقافية أو أدبية فلا يكون في هذه العملية من البداية إلى النهاية لا متاعب ولا يحزنون، ولذلك فلا عجب أن تتشابه الأخبار والمعلومات في الصحف لأن مصادرها أقسام العلاقات والنشر وليس العمل الميداني الشاق، وكل ما ذكر لا يعني عدم وجود مواد صحفية حية قائمة على جهد مبذول من قبل صحفي ميداني عاشق لمهنته لا يرضى بنسبة المواد الصحفية الميتة إلى اسمه وإنما يحرص على أن تكون لديه مواد صحفية وإعلامية حية صبغها هو شخصيا من الألف إلى الياء، ولكن تكاثر أعداد الصحافيين الاتكاليين الخامدين يجعل الصحافة في خطر، خاصة أن مصادر الأخبار والمعلومات أصبحت متنوعة ومتاحة للجميع، وإما أن تكون صحفيا بحق، وإما أن تكون من «بتوع» الصور والمكاتب الساعين المتكالبين على المكاسب الجالسين على المراتب المصاحبين للعناكب؟!