كان الحادث مأسوياً بكل المقاييس، لكن ردود الأفعال كانت أكثر مأسوية. عندما توفي شادي أبو جابر، وهو أردني في السابعة عشرة من عمره، إضافة إلى راكب آخر، في حادث سير في عمان، بدأ مستخدمو وسائل الإعلام الاجتماعي يتحدثون عن الشاب الذي قطعت حياته في ريعان شبابه. من بين أمور أخرى، ذكر الأصدقاء أشياء عدة عن الشاب أبو جابر، منها أن والدته ترتل في كنيسة محلية (وعمه قس إنجيلي) وأنه كان عازف غيتار في فرقة محلية. ملأت كلمات التعازي صفحة الـ «فايسبوك» لموقع محطة تلفزيونية محلية الإلكتروني، حيث انتشرت القصة. في مناسبات كهذه، اعتاد الناس استخدام كلمات معزية عادية مثل «الله يرحمه». لكنْ يبدو أن فيض الكلمات الحارة والمواساة لم يرضِ بعض الناس الذين يبدو أن لديهم مشكلة مع رد الفعل الإنساني العادي هذا. كيف يمكن أن يعبر الناس بكلمات التعاطف والمواساة هذه في حالة شاب كان «يلعب الغيتار»؟. وعلى أي حال، قال آخرون، لا يُسمح للمسلمين طلب الرحمة لغير المسلمين. أثار هذا التصريح جدلاً ونقاشاً حول ما إذا كان طلب الرحمة لغير المسلم حراماً أم لا. تطور النقاش وأصبح شرساً وقبيحاً، ما دفع مفتي الأردن، عبدالكريم الخصاونة، إلى إصدار فتوى يعلن فيها أن التعبير عن التعزية والمواساة لغير المسلمين أمر مقبول. لم يكن للفتوى تأثير يذكر لوقف النقاش. ورأى البعض أنها كانت غير ضرورية وأنها أثرت سلباً، إذ جلبت الانتباه إلى قضية كانت محصورة على شبكة التواصل الاجتماعي. وقال آخرون إن المفتي في الواقع لم يحل الصراع، لأنه قال فقط إن المسلمين يمكنهم أن يعزوا، لكنه لم يوضح ما إذا كان يمكنهم طلب الرحمة من الله لغير المسلمين. انتقد آخرون المفتي لعدم تسميته المسيحيين بدينهم الذي ينتمون إليه، إذ استخدم مصطلح «غير المسلمين». كانت جنازة شادي مؤثرة. حضر الشيخ الإسلامي القيادي، حمدي مراد، قداس الصلاة في الكنيسة. وجوده كان مرحباً به من العائلة والأصدقاء، واعتبر نوعاً من بادرة حسن نية عرفها الأردنيون منذ عقود. ومع ذلك، تركت هذه القضية مذاق العلقم في الفم وكشفت الكراهية والشر تحت مظهر التسامح الخادع الذي يعلنه الأردنيون باستمرار. كما أدى الحادث إلى ظهور العديد من التساؤلات إلى الواجهة: ما مدى عمق هذه الكراهية، وعدم احترام الدين الآخر وعدم التسامح؟ إذا كانت للتعصب، كما أظهرت هذه الحالة، جذور عميقة في المجتمع، فما هو مصدره وكيف يمكن معالجته؟ هل الحرب ضد «داعش» هي مصدر هذا التعصب؟ من هم المحرضون على الكراهية، وماذا يمكن فعله لعكس هذا الوضع؟ إن المنية تمس وتراً حساساً وتحرك عواطف قد تصل أحياناً الى أمور سلبية متطرفة. لكن نسيج أي مجتمع يجب أن يجد الوسائل للتغلب على هذه المشاعر من خلال العمل معاً، بدلاً من البحث عما يفرق بين مجتمع وأمة. النضال ضد التطرف الديني يعتبر أكثر أهمية بكثير مما كان يُعتقد سابقاً. لا تقتصر المشكلة فقط على الناس الذين يحرقون الطيارين وهم أحياء ويقطعون رؤوس خصومهم. يكمن لب المشكلة في وجود العديد من الدواعش الثانويين الذين يفسدون في عمق المجتمع. الطريق طويل وشاق، ويجب حشد كل الجهود والموارد لتحقيق الهدف. * صحافي فلسطيني