×
محافظة المنطقة الشرقية

مسئول كوري يبحث فرص الاستثمار في الدوادمي

صورة الخبر

يظن الكثيرون أن المال هو السعادة وراحة البال ورضاء النفس وغير ذلك كثير من الأفكار والتهيئوات التي تسود الكثير من الثقافات بين الشعوب وعبر العصور. في واقع الحال يمكن للمال أن يشبع الكثير من الحاجات، وأن يجلب لصاحبه أو أصحابه الجاه والفخامة، بل وحتى في كثير من الأحيان الأمن، وليس بالضرورة الإحساس بالأمن، ولكن في حقيقة الأمر المال ليس بالضرورة يعني الاحترام والإحساس بالطمأنينة والسلام النفسي والضمير الحي، بل ولا حتى القدرة على الاحتفاظ به وتنميته واستثماره والتعامل مع وهم توفره وغياب تصور ندرته عند من يمتلكونه. المال هو ذلك الشيء المنقول الذي يمكن تحويله وتداوله للحصول على سلعة أو الاستفادة من خدمة أو تقديم مساعدة، أو حتى إحداث ضرر وأذى بآخرين. والمال ليس الثروة، ولكنه ذلك الجزء من الثروة المتوفر سائلا، وهو ما اصطلح تسميته بالنقود. الفرد قد تكون لديه ثروة، ولكن ليس لديه مال. قد تكون لدى الفرد استثمارات وودائع وعقار وديون لدى الآخرين، بل يمكن أن يكون لديه مال ولكن لا يكون لديه، في لحظة ما، أدوات الوصول إليه، بل قد يكون في تلك اللحظة كالفقير الذي ليس لديه مال ويكون في حاجة إلى النقود، وحتى تجوز الصدقة عليه! من هنا تُثار مشكلة المنفعة المتناقصة للمال. فالقيمة الحقيقة للمال، لدى البعض، تكمن ليس في ندرته، بل في توفره... بل - أحيانا - في فحش توفره. فكلما كان المال سهلا في عملية الحصول عليه وامتلاكه، كلما تناقصت منفعته وفائدته، بل وحتى قيمته لمن كان يمتلكه. وبالعكس، كلما كان المال صعب الحصول عليه وأكثر صعوبة الحفاظ عليه مع التعود على قلة الحاجة إليه في إنفاقه أو التدرب على طرق ووسائل استثماره وتنميته، كلما زادت وتعاظمت المنفعة الحدية للمال، وتكاد تتلاشى منفعة المال المتناقصة. وهنا يكمن سر الغنى الحقيقي. فالفرد مهما كان دخله النقدي محدودا، فإن بإمكانه أن يستفيد منه بتنميته في استثمارات طويلة الأمد يمكن من خلالها التصرف بعقلانية وبربحية من دخله مهما كان محدودا. يمكن للفرد على سبيل المثال أن ينفق على تعليم أبنائه، وهذا استثمار يعود على الأجيال القادمة بعائد مجز ليس على أبنائه وحدهم، بل على المجتمع بأسره، فتتعاظم ثروة الأمة. ويمكن له أن يدخر بعضا من دخله لا من أجل أن تتراكم ثروته، بقدر التحوط من نائبات ومفاجآت الحياة، مثل المرض والعجز، حتى يحتفظ لو بأقل قدر من الحياة الكريمة والاحتفاظ بمستوى متواتر من نوعية الحياة التي يرغب في الاحتفاظ بها. ومن ذلك مثلا: أن يدخر جزءا من دخله لتطوير مهاراته المهنية والحرفية وحتى مصادر دخله المحدودة، للحصول على المزيد من الدخل الذي يمكن إنفاقه لتحسين مستوى معيشته وأسرته باستمرار واطراد. باختصار: ثروة الفرد الحقيقية في شخصيته وإمكاناته وقدراته وفي فلسفته لمعنى الحياة وتعقيدات اقتصادها. وليس، كما يظن البعض بكمية ما لديه من مال وحجم ما يمتلكه من ثروة ووفرة ما طوع يديه، في لحظة ما، من قدرات وإمكانات مادية. فقدرة الحصول على المال بطرق نظيفة ومشروعة عن طريق الاستخدام الأمثل للموارد الذاتية ومكامن القدرات الخلاقة لدى الإنسان، هي السر في الحصول على الإشباع الأمثل من الموارد المحدودة التي يحصل عليها الفرد من موارد المجتمع التي هي بدورها محدودة ويتنافس عليها جميع أفراد المجتمع. فالأمم تنهض باستخدامها الأمثل لمواردها المحدودة بتنميتها، وأهمها مواردها البشرية. الأمم الغنية ليست تلك التي تستنزف مواردها الطبيعية، بما فيها إهمال ثروتها البشرية، لتصبح في فترة تاريخية متخمة بفوائض نقدية غير مأمونة تفقد قيمتها الحقيقية بمستويات تراكمها المتسارعة. إن غنى الأمم يكمن في قدرتها على استثمار مواردها المتاحة بصورة تقترب من المنفعة الحدية لها، حتى لا تتطور قيمة متناقصة لمدخراتها من العملات القابلة للتحويل، فينهشها غول التضخم ويفترسها وحش الركود ويقض مضاجعها هاجس الأمن.