استنكر هذا الأسبوع مناصرو القضية الفلسطينية حينما أزال موقع جوجل كلمة "فلسطين" من خرائطه، لكن المشكلة أن الشركة تقول إن كلمة فلسطين لم تكن هناك أساساً. فحتى لو قسنا هذا الخبر بمعايير أخبار الشبكات الاجتماعية التي تثور وتنطفئ بسرعة في موجات متتالية، لوجدنا أن هذا الخبر انتشر بسرعة هائلة انتشار النار في الهشيم، تغذي جذوته تصريحات الغضب الصادرة عن مجموعات الدفاع عن حقوق فلسطين ومقالات الأخبار ومقاطع الفيديو المتداولة التي جميعها كان ينقصها نقل رد جوجل على الموضوع. فمنذ شهر مارس/آذار الماضي بدأت حملة جمع تواقيع على الإنترنت احتجاجاً على جوجل (في تلميح إلى أن "مؤسسيه اليهوديين" أزالا كلمة "فلسطين" بسبب علاقاتهما المزعومة بإسرائيل)، وحصدت الحملة أكثر من 280 ألف توقيع حتى يوم الأربعاء 10 أغسطس/آب منها أكثر من 180 ألفاً حصدتها الحملة في اليوم السابق. كما انطلقت على تويتر تغريدات غاضبة وتزايدت الدعوات لمقاطعة الشركة. ولد الوسم #Palestine Here (فلسطين هنا)، لكن خرائط جوجل تقول إن فلسطين لم توجد أساساً، وفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الخميس 11 أغسطس/آب 2016. ففي بيان لها قالت الشركة: "لم تكن كلمة "فلسطين" موجودة هناك على خرائط جوجل مطلقاً، لكننا اكتشفنا خللاً تقنياً أزال كلمتي "الضفة الغربية" و"قطاع غزة"، ونحن نعمل على قدم وساق لإعادة هاتين الكلمتين إلى المنطقة". وليس واضحاً إن كان ذلك الخلل التقني قد كان له دور في إثارة الغضب على الإنترنت. وفي رسالة إلكترونية قال إليزابيث دافيدوف، المتحدثة باسم الشركة، إنهم لم يسبق استخدامهم لفظة "الأراضي الفلسطينية" على خرائطهم. واستمر الخلل التقني الذي أثر على كلمتي "قطاع غزة" و"الضفة الغربية" يوم الأربعاء، لكن عندما تعمل خرائط جوجل بشكل جيد فإن كلتا المنطقتين تحمل اسمها ويفصلها عن إسرائيل خط منقط في إشارة إلى أن تلك الحدود غير معترف بها دولياً. أما كلمة "فلسطين" فقد أزيلت مؤخراً من الصفحة الرئيسية لمحرك بحث الشركة ولكن لأسباب جمالية لا سياسية، حسب ما قالته دافيدوف، فقد أزيل على زعمها لإفساح المجال أمام رسم لجوجل يحمل فكرة الأولمبياد أحياناً ما يكون أول ما يراه مستخدمو محرك البحث، وكذلك الأمر ينطبق على أسماء دول أخرى في العالم. وقالت دافيدوف في رسالتها: "لا توجد جهود عبر أجزاء شركة جوجل كلها لإزالة فلسطين أو أي شيء من هذا القبيل". كذلك قالت إن ثمة صورة GIF متحركة يتم تداولها على الإنترنت (ونشرتها أيضاً الجمعية الحقوقية الناشطة "الصوت اليهودي السلام" Jewish Voice for Peace) زعمت أنها تحوي صورة "قبل وبعد" لإثبات صحة إزالة اسم فلسطين، ولكن دافيدوف قالت إن الصورة مفبركة. كيف حصل هذا؟ السبب يعود جزئياً إلى حركة دينامية باتت معروفة على الشبكات الاجتماعية هي أن الناس يميلون إلى تصديق المزاعم التي تعزز آراءهم السابقة، خاصة إن كانت تلك المزاعم تسبب رداً عاطفياً. وقالت كيت كلونيك، زميلة مشروع جمعية المعلوماتية في كلية الحقوق بجامعة ييل، إن حلقة تصاعد الغضب على الشبكات الاجتماعية ثم انطفائه هي حلقة "ردود فعل عاطفية ليست بالضرورة ناجمة عن تفكّر وتدبّر، لكنها مرضية للناس بشتى الطرق". وما من قضية تستفز مشاعر الناس أكثر من قضية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي التي هي إحدى أعقد القضايا وأكثرها جدلاً على الساحة الدولية؛ وتقول كلونيك إن غضب وسخط منتقدي جوجل لن تفلح على الأغلب حقائق القضية في تهدئته وامتصاصه. وتضيف كلونيك: "إن كنت غضبت لأنك اعتقدت أن جوجل أزالت فلسطين، فلن يفيدك أو يهدئك أن تعرف أن فلسطين لم تكن أصلاً موجودة هناك". وأما المتحدثة باسم مجموعة Jewish Voice for Peace "الصوت اليهودي للسلام" ناعومي دان فقالت إن اتهامات خرائط جوجل اكتسبت شعبية في الأيام الأخيرة جزئياً بسبب مجموعة صحفية اسمها منتدى الصحفيين الفلسطينيين Forum of Palestinian Journalists التي انتقدت الشركة في بيان لها (وكذلك أكدت دان أن رسم الـGIF المتحرك الذي نشرته منظمتها على تويتر هو في الواقع من صنع أحد زملائها). ففي بيانه قال منتدى الصحفيين الفلسطينيين إنهم يعتقدون أن "ما فعله محرك بحث جوجل هو جزء من خطة إسرائيلية لترسيخ اسم "إسرائيل" ويظل هو اسم الدولة أجيالاً وأجيالاً في المستقبل، فيما اسم "فلسطين" يزال ويمحو من كل خريطة". وقال عماد زكريا الذي كتب البيان إنه سمع اتهام جوجل بإزالة كلمة "فلسطين" من موقع منظمة فلسطينية في لبنان لا يتذكر اسمها. وأضاف: "إن أي من يحاول البحث عن فلسطين على جوجل لن يتمكن من إيجادها". مع ذلك يظل الغموض يكتنف المصدر الأصلي لكل تلك المزاعم التي تسببت بموجة الغضب. كذلك كان للاتهامات التي طالت جوجل وطء ووقع عاطفي مشحون لأنها تمسّ تجسيد الكيانين الفلسطيني والإسرائيلي بصرياً، وفق ما قالته دان التي ختمت بالقول: "لطالما كانت الخرائط محفوفة بالسياسة، وطرق رسم الحدود وتحديدها عليها أيضاً أمرٌ سياسي دائماً". - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط .