استمع فتح العليم الفكي يبدو أن ليبيا مقبلة على مرحلة جديدة في تاريخها السياسي إنْ أحسن الفرقاء المتشاكسون استغلالها، ربما تنتشل بلادهم من وهدتها ودوامة العنف التي انزلقت فيها بعد الثورة، وتسكت أصوات المدافع والقنابل التي روّعت الآمنين وشردتهم. ولعل أهم وأبرز ملامح هذه المرحلة هو تراجع وانحسار نفوذ تنظيم داعش الإرهابي. فمن 6 آلاف عنصر حسب التقديرات الغربية، إلى بضع مئات، ومن سيطرته على رقعة مساحتها 9 آلاف كيلومتر مربع إلى حصره في مساحة لا تزيد على 20 كيلومتراً مربعاً، بفضل الضربات العسكرية الناجحة التي وجهتها له قوات البنيان المرصوص الموالية لحكومة الوفاق الوطني، علاوة على القصف الأمريكي، وانتصارات الجيش الوطني بقيادة الفريق حفتر في الشرق. حكومة الوفاق الوطني أعلنت في بيان لها الأحد الماضي بدء العد التنازلي لإطلاق المرحلة الأخيرة من عملية استعادة مدينة سرت الساحلية من التنظيم الإرهابي. وقال رئيسها فائز السراج إن حكومته تعول في القضاء على داعش ودحره بدرجة أولى على قواتها، داعياً إلى عدم ترك ليبيا تواجه هذا العدو الشرس بمفردها. ومنذ الخميس الماضي تحاول قوات البنيان المرصوص الوصول إلى مجمع قاعات واغادوغو المقر الرئيسي للتنظيم في المدينة، ولكن يعيق تقدمها احتماء عناصر التنظيم بالسكان المدنيين والألغام التي تفننوا في ابتكارها وزرعها، والتي ينفجر بعضها بالضوضاء. وحتى لا يحدث فراغ أمني في المدينة بعد تحريرها، يرى الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ،ماتيا توالدو، أن السيناريو الذي يجب أن يلي التحرير هو تسليم المدينة إلى السلطات المحلية لإدارتها، لافتاً إلى أهمية معالجة مظالم السكان والشعور المتنامي بالتهميش داخل المدينة، كما لفت إلى ضرورة وجود اتفاق أمني شامل لتأمين سرت عقب طرد داعش. ولعل الملمح الآخر الذي يبشر بقرب تعافي ليبيا هو انطلاق الجولة الثانية من الحوار الليبي بالقاهرة الأحد الماضي بوساطة مصرية لتقريب وجهات النظر بين البرلمان الشرعي وحكومة الوفاق في النقاط التي هي محل خلاف في الاتفاق السياسي، وإمكانية عقد جلسة للبرلمان لمنح الثقة لحكومة الوفاق. وفي تقديري، إذا نجحت الجهود المصرية في تحقيق التوافق بين رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة، وتذليل العقبات أمام إجراءات منح الثقة لحكومة السراج، والتوصل إلى تفاهمات حول النقاط الخلافية في الاتفاق السياسي، فإن ليبيا بلا شك، مقبلة على مرحلة جديدة في تاريخها السياسي لا تقصي ولا تستبعد أحداً، فالبلد في حاجة إلى جهود كل أبنائه لبناء وإعمار ما دمرته الحرب. alzahraapress@yahoo.com