لم يحصد هذا الحريق الهائل الذي شب في قلب الفندق المديني مجرد أرواح بريئة قضت دون أن تدرك السبب؛ بل في المقام الثاني حصد شيئا من جماليات الصورة الوطنية في معايير الأمان والسلامة، وحولنا إلى صورة تلفزيونية على محطات العالم وأقنيته. في الدول ذات الإمكانات المادية الميسورة لم يعد مقبولا أبدا أن تحترق الفنادق وأماكن التجمع العامة بهذه الصورة، إلا تحت روائح الإهمال والإهمال هو الحفيد الشرعي للفساد. احترقت خيمة نساء القطيف قبل أعوام، ثم مسحنا لحية التحقيق على سلك كهربائي، ومثله أيضا تبرع سلك آخر بأخذ العتب الكامل حين احترق قصر أفراح بقيق، وبذات السبب أقفلنا أشهر حوادث الحريق في تاريخنا الكوارثي يوم احترقت مدرسة بنات مكة. لم تعد هذه الحوادث المفجعة تثير قلق المسؤول عن المواصفات والمعايير؛ لأن المحقق بات يعرف ضعف الذاكرة المجتمعية، التي تنسى الكارثة حين تتوارى عن نشرات الأخبار. وفي حادثة حريق المدينة الأخير سنعرف كل شيء.. إلا السبب والمتسبب. سنعرف عدد الضحايا، وسنشاهد تفاصيل اللهب في مئات المقاطع اليوتيوبية، مثلما سنشاهد بقايا السلك الكهربائي المجرم، ولكننا لن نقبض على قصة إهمال تسببت في أن يكون الفندق مثل عش للطير، مبني بقش من أسلاك الكهرباء. لن نعرف مَن المالك؟ ولن نعرف ما إذا كان متسترا على مجموعة من العمالة المستثمرة، مثلما يحدث في مئات النزل والفنادق الرخيصة حول الحرمين الشريفين؟ لن نقبض على فاتورة واحدة لتكلفة الصيانة الدورية؛ لأن مثل هذا الكارتيل يدير هذا البزنس الضخم بطريقة الملجأ، لا معايير النزل الفندقي. نريد أن نقبض على الحقيقة، وأنا لا أعترض على أقدار الله، ولكن على محاولة تجهلينا وتسطيح مداركنا، حتى أصبحنا مباشرة نصدق قصة الماس الكهربائي بهذه السذاجة. نريد في مرة شاردة أن يقول لنا المحقق عن الخطأ البشري، الذي أزهق كل هذه الأنفس. الوطن