×
محافظة المنطقة الشرقية

«الوئام» تكشف حقيقة اقحتام فتاة لملعب السوبر

صورة الخبر

من يوم يومي وأنا مدمن تلفزيون سوري بكل أنواعه (فضائية، إخبارية، سما والدنيا)، أستخدمه في الأحداث الكبرى، دخول طائرات "بن لادن" في برجي التجارة العالمي، سقوط بغداد على يد الأميركان، تداعيات اغتيال رفيق الحريري، هرب بن علي من تونس، تنحي مبارك، وخوزقة القذافي. وبينما يركض كل من حولي إلى الجزيرة والعربية والبي بي سي وفرانس 24؛ ليتابع تطورات الحدث، والعواجل التي تحمل معلومات جديدة، والبث الحي للحرائق والقصف والمظاهرات والتفجيرات، أركض أنا إلى التلفزيون السوري وأتنقل بين قنواته مستمتعاً بالحالات التي يتلون بينها، فأول تعامل للتلفزيون السوري مع حدث مفاجئ وبث مباشر، وقع خيار القيادة الحكيمة على تحويل هذا الجهاز من تلفزيون موصول بريسيفر وصحن فضائي وله كبل مثبت بمأخذ الكهرباء إلى حوض أسماك بليد، كل المحطات تعرض صور عشرات آلاف اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشوارع في 14 مارس/آذار 2005، وتتسابق لتنقل إزالة تمثال صدام حسين من ساحة الفردوس، ومراسل الجزيرة يتحدث عن طائرة بن علي التي لم تجد أحداً يستقبلها، ومراسل العربية يعلن عن هرب القذافي، وهات يا محللين وشخصيات وخبراء عسكريين يتصايحون وصور من كل الساحات وتصريحات من كل العواصم، فيما تتمايل الدلافين بكل تؤدة وإحساس بالراحة والحبور على الشاشات السورية. مع تغيّر الأحداث وتطور الزمن أحدثت الشاشات السورية نقلة نوعية في أدائها، وبدلاً من التجاهل وعرض أفلام تناسل الفقمات وأعمدة تدمر بانتظار قرار مدير التلفزيون الذي ينتظر قرار وزير الإعلام الذي ينتظر بدوره اتصالاً من القصر الجمهوري، قد يكون صاحبه مرتبكاً أكثر من الكل، صاروا يضعون مذيعاً على الشاشة مع صور صامتة للحدث الجديد، وعليه أن يملأ الصمت بأي كلام، وهو مرعوب من أي كلام قد يقوله ويطير فيه رأسه، بحيث يُصبح منظره داخل الشاشة صورة طبق الأصل عن الفروج المحمر الذي يدور على سيخ داخل ماكينة شواء الدجاج، حتى لتكاد تشم رائحة شوائه وهو يصف ما يعرض من بث على الشاشة وصفاً لا يتعدى: أنتم تلاحظون في الصورة ناساً يمشون، وهناك دخان في الخلفية، وها هي سيارة تتحرك، وعلى ما يبدو حدث شيء ولكننا لا نعرف ما هو، هناك من يصرخ من بعيد، ولكننا لا نسمع ما يقول، أعطونا صوتاً يا كنترول، وقبل أن ينهي نداءه يصرخ في السماعة المثبتة في أذنه صوت متوتر يقول له: كول.....، ويستطيع أغبى مشاهد في العالم أن يحزر ما قيل له من فرط امتقاع لونه وانكسار صوته. التغيير التالي الذي طرأ على مذيع الشاشات السورية داخل شوّايته هو تلقي اتصالات الضيوف، وكان هذا إنجازاً استثنائياً، فضيف التلفزيون السوري عادة ما يعامل بشهبة قارئ البيان رقم واحد لأي انقلاب عسكري، يجب أن يكون سجله العدلي نظيفاً ومرتبطاً بفرع أمن واحد على الأقل، وحبذا لو كان فرعين، وعليه أن (يعبي هوا) أي أن يثرثر لملء الوقت، ولديه كمشة كلمات يرميها في كل جلسة مثل النرد وحظك يا أبو الحظوظ ليجد صيغة مناسبة للحدث: إسرائيل هي المتهمة في كل جريمة، المقاومة التي أعادت الكرامة للأمة العربية، الهجمة الأميركية الصهيونية على المنطقة من أجل تفتيتها ونشر الفوضى الخلاقة، كل الضغوط التي تتعرض لها سوريا؛ لأن السيد الرئيس رفض إملاءات كولن باول وزير الخارجية الأميركي، الهدف هو تحطيم نظام سوريا الممانع، مبارك سقط لأن هذا نظام كامب ديفيد.. و... و... ثم ظهر المحللون اللبنانيون وكان ناصر قنديل أشطرهم، يريّح المذيع ومدير التلفزيون ووزير الإعلام والناطقة الإعلامية الرئاسية والقيادة القطرية ومجلس الوزراء ومجلس الشعب والجبهة الوطنية التقدمية والاتحاد الرياضي العام واتحادات الفلاحين والعمال والحرفيين والصحفيين والكتاب وكل فروع المخابرات والرئيس والشعب، وكان مذيع البث المباشر قبل الظهور على الشاشة يجثو على ركبتيه ويترجى المعد أن يختار له ناصر قنديل الضيف الأول: أرجوك ناصر قنديل، لا تتركني وحدي، سكرتك اليوم على حسابي، وفعلاً يخرج ناصر قنديل حسون المقاومة وكناري العروبة وبلبل الممانعة ويبدأ بالتغريد، والكل يتنفس الصعداء والمذيع يترك له العنان ولا يقاطعه إلاّ بكلمات من قبيل: نعم وأتفق معك وأكيد وطبيعي وهل تظن.. فيجيب ناصر قنديل على سؤاله قبل أن يسمع تتمته، حتى يعلم المشاهد وقبله القيادة بكامل مستوياتها أنه لم يأخذ غفوة. فيما بعد أدخل التلفزيون السوري إلى شاشاته مفرزة من المحللين السوريين أمثال خالد العبود وطالب إبراهيم ومحمد حبش وتركي صقر وأحمد الحاج علي وشريف شحادة وعفيف دلا وحسن حسن وضرار جمو وسواهم، ولكنه كان يستعملهم بنفس مهمة مناديل التواليت، وكانت أسئلة المذيع معهم مؤداها: هناك مكان يحتاج إلى تنظيف تفضلوا، ويتركهم يقضون الحلقة أو البرنامج أو الندوة في التنظيف والتعقيم، ويستهلكهم حتى آخر ورقة. لكن كل ذلك كوم وما حدث يومي 6 و7 أغسطس/آب الحالي كوم، فقبل هذين اليومين كان يمكن للتلفزيون السوري ومذيعيه ومحلليه أن يتهموا إسرائيل بقتل رفيق الحريري، ويصروا على أن حسني مبارك خُلع بسبب غضب الشعب من اتفاقية كامب ديفيد، وأن قطر كانت توزع حبوب هلوسة على المتظاهرين، وأن الثورة على بشار الأسد مؤامرة كونية اشتركت فيها بين مائة إلى مائة وعشرين دولة ما بين فيدرالية وكونفدرالية، وجمهورية ومملكة، وسلطنة وإمارة، وأن كل الذين رفعوا السلاح في وجهه إرهابيين، وإذا ما عجبكم هاتوا أثبتوا العكس! طبعاً الحجة في الإثبات أو النفي تحتاج إلى أدلة وبراهين وشهود ومنطق وعقل، والنظام الذي يقف خلف التلفزيون السوري، يستطيع أن يفبرك الأدلة ويخترع البراهين ويصنّع الشهود ويستخدم منطق المقاومة والوقوف في وجه المشروع الصهيوني وعقل الممانعة في محاربة المشاريع الأميركية، ويدوّخك السبع دوخات، ويجعل نفسك تلعي، ورأسك يلف، والعرق يزخّك، وتشعر ببرودة في أطرافك السفلى، وتنميل في يدك اليمنى، ووخزة في جهة صدرك اليسرى، دون أن تكون قادراً على إقناعه بشيء. لكن ما حدث يومي 6 و7 أغسطس غير، ففي الوقت الذي كانت فيه كل الصور القادمة من جبهة حلب تعرض هجوم جيش الفتح على كلية المدفعية والكليات المحيطة بها، وكل أخبار الجزيرة والعربية وما بينهما تتحدث عن تقدم لجيش الفتح داخل تلك الكليات، باستثناء التلفزيون السوري الذي كان يتحدث عن سحق الإرهابيين وقتلهم بالعشرات، وصد الهجوم وفرار المسلحين والمهاجمين، ومراسله في حلب شادي حلوة ينط فرحاً ملوحاً بيده: باي باي الإرهابيين أرسلناهم إلى جهنم وبئس المصير، والظهير الأيمن في فريق التلفزيون السوري جعفر أحمد يُسند مهمة إنهاء ما تبقى من الإرهابيين إلى قلب الهجوم نضال زغبور، والمفتي أحمد حسون يكبّر، والقس إبراهيم نصير يُصلّب، والخبير العسكري حسن حسن يشرح مقاس البوط العسكري للجيش العربي السوري الذي دعس على المسلحين. وفيما كانت "الشاشات المتورطة في سفك الدم السوري"، حسب تسميتهم، تنقل مشاهد انتهاء العمليات عند المغرب في الكليات العسكرية، وصور الفرح بفك الحصار عن المحاصرين في حلب، كان 32 محللاً سياسياً و116 خبيراً استراتيجياً و876 عميداً متقاعداً لا يزالون يتناوبون الحديث عن انتصارات الجيش السوري على الشاشات السورية، قبل أن يفاجئهم المصدر العسكري بعاجله في أسفل الشاشة عن إعادة تموضع أجراها الجيش لقواته بعد سبع ساعات من الحديث عن انتصاراته، وتطبيلهم لها، ليتحول الحديث عن عمليات جديدة ستبدأ ضد الإرهابيين، وعن حشود جرارة في طريقها إلى حلب، وعن جبهات أخرى ستفتح مع المسلحين، وعن تكتيك التراجع القتالي واستراتيجية القتال التراجعي، إلى أن قرروا أخيراً أن يكشفوا كامل خطتهم على الملأ، والتي اعتمدت على استدراج هؤلاء الإرهابيين إلى حلب، وخسارة مواقعهم أمامهم، ليدخلوا حلب فيعيد بواسل الجيش العربي السوري حصارهم ثم القضاء عليهم. ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله وعين الحاسد تبلى بالعمى، فإذا كانت قنوات روتانا اختارت شعار "مش ح تقدّر تغمض عينيك" لشاشاتها، فالتلفزيون السوري أحق بشعار "مش حتقدر تشغّل عقلك" لشاشاته، وما زال العرض مستمراً! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.