< في الحروب تستخدم كل أنواع الأسلحة للتأثير في الطرف الآخر أو عمل زعزعة في المجتمع، ومحاولة هز ثقة الشارع، وهذه ليست جديدة، فالشائع أنها استخدمت من قبل في مواجهات بين دول عظمى، ولتنفيذ أجندة الغاية منها إضعاف الطرف الآخر بأسلحة نفسية وبث إشاعات واستخدام وسائل إخبارية كاذبة، وهذه أحد الأسلحة الجديدة، التي تعتمدها كثير من الأطراف المتنازعة وتعمل ضمن مخطط واضح وتشترك فيها أطراف عدة، وكما ترصد الدول موازنات ضخمة للأسلحة والتدريب وتسخير الجيوش، فهي تنفق مبالغ لإعداد وتنفيذ الحرب الباردة، واختيار التوقيت المناسب لها. هذا ليس بمستغرب أن تتعرض السعودية إلى حملة من الحروب الباردة فخصومها كثر، حالياً وهي تخوض معركة شرسة مع الإرهاب وأخرى من المد الإيراني المتطرف، ومحاولة الحوثيين من الجنوب، إلى جانب هذا هناك من يتربص بالسعودية ويهمه أن يسمع أخباراً سيئة عنها، فبعد انهيار أسعار النفط وتراجع الطلب عليه، كثيرون يريدون أن يسمعوا أخبار هذه البلد، وهي تخطط للتحول الاقتصادي وترك الاعتماد على النفط، مورداً رئيساً للبلاد، وتعدد مصادر الدخل، لهذا تستغل كثيراً من المصادر التي تهمها في صناعة حال التوتر النفسي، مستغلة بعض الأخبار وتوظيفها، وللحرب الباردة أسلحة مشروعة في الحروب لا يمكن تجاهلها أو اعتبارها غير مؤثرة، إلا أن الدول التي تتعرض لمثل هذه الحروب لديها أيضاً في المقابل خطط بديلة واستعداد جيد لمواجهة كل أنواع الحروب، وبخاصة أنها أصبحت إحدى الأدوات المطلوبة. الأسبوع الماضي تداولت وكالات الأنباء خبر وصول بعثات دبلوماسية فيليبينية لإجلاء العمال العالقين وتقول الوكالة إن الفيليبين ستقدم مساعدات إلى آلاف الفيليبينيين بعدما خسروا وظائفهم إثر انهيار أسعار النفط، ونشرت وكالات أن الهند تنظر في وضع 10 آلاف عامل هندي يواجهون أزمة غذاء، من أسلوب وتناول الخبر يمكنك أن تعرف أن كان الهدف هو نشر خبر بخصوص إنهاء عقود ووظائف أم إن الغاية تضخيم الصورة وتقديم صورة مغايرة تماماً عن الواقع، في 2008 حينما تعرضت أميركا إلى هزة اقتصادية نتيجة انهيار البنوك في قضية الرهن العقاري وقتها فقد كثيرون وظائفهم سواء من الأميركيين أم الأجانب، وتعرضت دول عدة في أوروبا والعالم وخسر الناس وظائفهم، وقتها كثير من العاملين منهم من تحمل ومنهم من غادر البلاد، مع إن الحادثة كانت أكبر من انهيار أسعار النفط أو مكافحة الإرهاب، فحادثة انهيار الأسواق كانت مثل حبة «الضومنة» سقطت معها اقتصاديات دول أخرى، فكل الأزمات تمر إذا تم معالجتها، وانهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية واجهته السعودية ودول الخليج في حينها، حتى لا تترك للأقاويل والإشاعات مكاناً، فأعلنت «رؤيتها» للمستقبل لما بعد النفط و برامجها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وبخاصة الشركات الكبرى، وتوجهاتها إلى المستقبل بفتح مزيد من فرص العمل لأبنائها وبناتها، فهي تتجه إلى خلق 450 ألف فرصة عمل حتى عام 2020 وتشجيع رواد الأعمال وخفض عدد العمالة لديها، الذين يصل عددهم إلى أكثر من 12 مليون وافد، لا يمكن أن نصور مغادرة عمال انتهت فرص عملهم في السعودية على أنها تعيش أزمة غذائية أو معالجة مشكلة العمالة الوافدة، السعودية وفرت فرص عمل خلال العقود الماضية إلى نحو 100 مليون وافد، مجموع من عملوا فيها، ومن الطبيعي أن الأنظمة والتعليمات واضحة في حال إنهاء الخدمات يستحق كل حقوقه، وحينما تتداول وكالات أنباء خبراً مبالغاً فيه، أنهم يموتون جوعاً، فمن الواضح إنها لا تريد أن تبث خبراً بقدر ما تريد أن تشوش بمعلوماتها الخاطئة، وربما السعودية ستواجه مستقبلاً مزيداً من الحروب الباردة والموجهة، وهناك من يتربص بها، فقبل أيام دعا سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ إلى التبرع للجنود المرابطين على الحدود، في المجتمع السعودي ربما يكون هذا الخبر عادياً، فالمجتمع المسلم دائماً يتعاطف مع المرابطين والتبرع لهم يعتبر من عمل الإحسان وشد الهمة، ويعطي للمرابطين دفعة قوية لأداء مهماتهم الوطنية بكل ارتياح، إلا أن هذه المطالبة بالتبرع، فسرت بطريقة خاطئة لدى المصادر الأخرى، فصنعت منها إشاعة وروجت أخباراً خاطئة، فقالت بعض وكالات الأنباء إن السعودية غير قادرة على دفع رواتب جنودها الموجودين على الحدود، وهذا خطأ وقعت فيه وكالات الأنباء، من غير المعقول أن تواجه السعودية أزمة مالية فقط لمرور عامين على انهيار أسواق النفط وتراجع مداخيلها، فالسعودية لا تزال قوة مالية مؤثرة، فالتصنيف الائتماني مازال في مصلحتها على رغم خفضه من وكالة موديز، التي منحتها Aa3، وفي التقرير حافظت السعودية على نظرة مستقبلية مستقرة، العاملون في صناعة الحرب الباردة يبحثون عن مزيد من هذه الأخبار التي يمكن توظيفها، فهم سيتحدثون عن عدم قدرة السعودية على تعليم وابتعاث أبنائها، فيما كانت إشاعات تروج أن السعودية لن تكمل برنامج الابتعاث لظروفها المادية، خرج وزير التعليم أحمد العيسى وقال إن برنامج الابتعاث مستمر ولن يتوقف، مشيراً إلى أن «وظيفتك بعثتك» هو النسخة الجديدة من الابتعاث بعد تطويره، كما إنها أسقطت شرط الـ75 في المئة من عدد ساعات الدراسة لإلحاق المرافقين ببرنامج الابتعاث والاكتفاء بـ30 ساعة لمرحلة البكالوريوس وتسع ساعات لمرحلة الدراسات العليا. الحرب الباردة ليست فقط أخباراً وإشاعات، بل تدخل ضمن أسلحتها الحروب النفسية وبث روح الهزيمة والمزيد من الإشاعات، والمجتمعات القوية هي التي تستطيع أن تتجاوز مثل هذه الأزمات، بسرعة الرد وتصحيح المعلومة الخاطئة، وقتل الإشاعة في مهدها، وتجهيز فريق عمل محترف لمواجهة مثل هذه الحروب. * صحافي وكاتب اقتصادي. jbanoon@