شهد نمو الاقتصاد المصري تباطؤاً في السنة المالية 2015-2016 بعد أن سجل تعافياً ملحوظاً في 2014-2015؛ وذلك نتيجة شح العملات الأجنبية والتراجع الحاد في قطاع السياحة، كما تأثر الاستثمار في مصر نتيجة كل من بطء تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية، واستمرار العجز المالي، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الأمنية، ولا تزال ضوابط رأس المال المفروضة للحد من التبادل الخارجي قائمة، لا سيما مع حذر المستثمرين الأجانب وحفاظ السلطات على سياسة تثبيت الجنيه مقابل الدولار. لا تزال أوضاع مصر المالية والخارجية تواجه ضغوطاً كبيرة، في الوقت الذي تراجع فيه العجز المالي قليلاً خلال السنة المالية 2015-2016 نتيجة تراجع أسعار دعم الوقود إثر تدني أسعار النفط، ولم تأتِ الإجراءات الإصلاحية بالسرعة المطلوبة، رغم وجود العديد من المبادرات، وساءت الأوضاع الخارجية، لا سيما مع اتساع عجز الحساب الجاري واستمرار ضيق الاحتياطي الأجنبي، وقد ساهم تخفيض قيمة الجنيه خلال شهر في مارس/ آذار في التقليل من الضغوطات على العملة، إلا أنها لم تخفف من صعوبة الحصول على العملة الأجنبية. وقد سعت السلطات المصرية إلى إعادة الإصلاحات إلى الطاولة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية، وذلك بعد إعادة تشكيل الحكومة، حيث قدمت العديد من المقترحات التي قد تساهم في تقليل العجز المالي واستعادة إقبال المستثمرين الأجانب، وصرحت السلطات مؤخراً بأنها في صدد إبرام اتفاقية مع صندوق النقد الدولي قد توفر 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، وقد رحبت الأسواق بذلك الخبر، كما رأى المحللون من خلالها فرصة لدفع عجلة الإصلاحات وتقليل الضغوطات على الجنيه. وتيرة النمو تشير التوقعات إلى تباطؤ ملحوظ في النمو خلال النصف الأول من العام 2016 بعد أن سجل تراجعاً معتدلاً في العام 2015، إذ تشير البيانات الرسمية إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 3.5 % على أساس سنوي في الربع الأخير من العام 2015 متراجعاً من متوسطه البالغ 4.2 % في السنة المالية 2014-2015، وتدل جميع المؤشرات أن النمو قد بدأ بالتباطؤ منذ ذلك الحين ليبلغ متوسطه ما بين 2% و2.5%، ونتوقع أن يبلغ النمو في السنة المالية 2015-2016 ما يقارب 3.0%، كما أننا نتوقع أن يتحسن النمو إلى مستوى أقل مما كنا نرى قبل عام ليصل إلى 3.5% في 2016-2017 وإلى 4.5% في 2017-2018. وقد بدأت وتيرة النمو بالتراجع تدريجياً على مدى التسعة إلى الاثني عشر شهراً الماضية، حيث سجل مؤشر الإنتاج التابع لوزارة التخطيط تراجعاً خلال معظم تلك الفترة، فقد تراجع في مايو/ أيار بنحو 16% على أساس سنوي، وقد جاء هذا التراجع نتيجة تراجع قطاع السياحة وقطاع النقل والمواصلات، بينما شهد قطاع التصنيع ركوداً في النمو، الذي يعتبر قطاعاً أساسياً في عملية النمو الاقتصادي. كما ظهر أيضاً هذا التباطؤ في مؤشر ماركت لمديري المشتريات في العام 2016، وقد تراجع المؤشر بداية إلى أقل من مستوى 50 منذ أكتوبر من العام 2015، وبالفعل فقد بلغ متوسط المؤشر 47.2 في الأشهر العشرة الأخيرة، وهو مستوى يدل على أن النمو قد تراجع إلى ما بين 2% و2.5% حسب تقديرنا، ومن المحتمل أن تتحسن الأوضاع خلال شهر يوليو، مع ارتفاع المؤشر إلى أعلى مستوى له منذ عشرة أشهر عند 48.9. واستقر نمو الائتمان الممنوح للقطاع الخاص، مقارنة بالمؤشرات الاقتصادية الأخرى، إلا أنه أيضاً شهد تراجعاً في الفترة الأخيرة، فقد تراجع نمو الائتمان ليصل إلى 14% على أساس سنوي في شهر يونيو/ حزيران بعد أن بلغ نموه 17.5% على أساس سنوي في ديسمبر 2015، وتباطأ النمو المعدل وفق التضخم إلى 0.1% على أساس سنوي خلال شهر يونيو، بعد أن بلغ النمو الحقيقي ما يقارب 6% في شهر مارس. تراجع قطاع السياحة يعتبر قطاع السياحة في مصر أحد أهم أسباب التباطؤ في الاقتصاد المصري؛ إذ تأثر نشاط السياحة بصورة ملحوظة في مصر بعد حادثة إنزال الطائرة الروسية بعد إقلاعها من شرم الشيخ في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2015، فقد جاءت هذه الحادثة في وقت عصيب للسياحة المصرية، وسط محاولات للتعافي من التقلبات التي شهدتها نتيجة الأوضاع الأمنية والسياسية، وتشير بيانات السياحة لشهر إبريل/ نيسان إلى تراجع في نشاط القطاع. رفع أسعار الفائدة تسارع معدل التضخم خلال العام الماضي ليصل إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من سبع سنوات خلال شهر يونيو/ حزيران، فقد ارتفع معدل التضخم العام في مؤشر أسعار المستهلك إلى 14% على أساس سنوي، بينما ارتفع معدل التضخم الأساسي إلى 12.4% على أساس سنوي، وقد تسبب تراجع الجنيه بنحو 12% خلال مارس/ آذار في هذا الارتفاع على مدى الأشهر الأخيرة. تحسن تدريجي للاحتياطات استمرت الاحتياطات الرسمية في البنك المركزي المصري في مواجهة بعض الضغوطات خلال الأشهر الأخيرة، على الرغم من تحسنها تدريجياً، فقد ارتفعت الاحتياطات إلى 17.5 مليار دولار بحلول نهاية شهر يونيو/ حزيران 2016 أو ما يقارب نحو 3.5 شهر من الواردات مسجلة ارتفاعاً من 16.3 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول، ولا تزال مصر تتمتع بوجود المساعدات المالية المقدمة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي على هيئة ودائع بقيمة 4.4 مليارات دولار، وذلك في الفترة بين يوليو/ تموز 2015 حتى مارس/ آذار 2016. وحافظ البنك المركزي المصري على سياسته لتعزيز الجنيه، ما أدى إلى شح العملة الأجنبية التي تسببت في إعاقة سوق الأعمال في بعض الأحيان، فقد سمح البنك المركزي المصري بتراجع الجنيه أمام الدولار في مارس/ آذار؛ للتخفيف من الضغوطات وتسهيل الحصول على العملة الأجنبية، وقد تراجع الجنيه المصري أمام الدولار في السادس عشر من مارس/ آذار 2016 بواقع 12% واستقر منذ ذلك الوقت عند 8.88، وتراجع الجنيه الموزون تجارياً خلال يوليو/ تموز بواقع 9.4% على أساس سنوي. ولا تزال السوق غير الرسمية للجنيه نشطة، حيث يتداول الجنيه أقل من المعدل بنسبة 30%، وذلك حسب مصادر صحفية، وقد ارتفعت احتمالية تراجع الجنيه وتعويم العملة تماشياً مع تصريحات محافظ البنك المركزي بشأن اتفاقية محتملة مع صندوق النقد الدولي في الأشهر القادمة.