حين قارن طه حسين ذات يوم بين اثرياء العرب وأثرياء اوروبا وضع النقاط على الحروف، وانتهى الى ان هناك نوعا من الثراء الاُمي مقابل ثراء مثقف، وهو ايضا الذي طالب الدولة بأن يكون حق الناس في التعليم كحقهم في الماء والهواء، لكنه لم يعش حتى ايامنا حيث الهواء اصبح بالغ التكلفة وكذلك الماء، اما التعليم فله حكاية اخرى . تذكرت ما كتبه طه حسين وانا ارى من شغلوا مناصب رفيعة في بلادنا وهم يتفرغون لمجرد ان يتقاعدوا للجاهات والمآتم، ففي الغرب ما ان يتقاعد وزير خارجية او جنرال من طراز كيسنجر وماكنمارا وآخرين حتى يصبحوا خبراء استراتيجيين ومستشارين لمراكز ابحاث معظمها له علاقة بالشرق الاوسط الذي قال عنه الكسندر هيج ذات يوم انه المجال الحيوي للولايات المتحدة . لكن الامر معكوس تماما في بلادنا فالمتقاعدون من مختلف المهن والمواقع يتفرغون لطلب العرائس ولا يقرأون من الصحف غير صفحة الوفيات لممارسة ما يسمونه واجب العزاء وهو في الحقيقة شيء آخر تماما، لأن الناس في دور العزاء يتحدثون عن كل شيء غير من كان سبب تواجدهم في العزاء، واحيانا تعقد صفقات تجارية او انتخابية قبل ان يجف الطين على قبر الميت الذي لو قدر له ان يعود الى الحياة ساعة واحدة فقط لأدرك كم كان مخدوعا . ان معظم اسماء المستشارين الكبار في الولايات المتحدة واوروبا الذين نسمع عنهم تجاوزوا السبعين او الثمانين من العمر ولم يسأموا تكاليف الحياة كما قال شاعرنا زهير بن ابي سلمى، بل تقطرت خبراتهم الطويلة في خلاصات ! واحيانا اتساءل كيف يجد من تفرغوا للجاهات خصوصا في موسمها الصيفي الوقت لقراءة صفحة واحدة من كتاب او لتأمل ظاهرة سياسية او فكرية . ما كتبه طه حسين عن الفارق بين اثريائنا واثرياء الغرب هناك ما يتخطاه الان من فوارق بين متقاعدينا ومتقاعديهم، والارجح ان كلمة متقاعد في لغتنا هي دمج لكلمتين : هما مُت قاعدا !! ان من يسعى لتزويج شخصين لا يعرفهما ولم يرهما في حياته هو نفسه الذي يقول لمن يعزيهم البقاء في حياتكم وتسلم رؤوسكم اما الميت فله الله!! الدستور