عندما تجلس يوماً ما أمام سجادة تراثية، صنعت بمنهجية تراثية، ستسأل ربما عن البلد الذي صنعت فيه هذه السجادة. وإن كنت مثلي، ربما ذهبت لتعرف أكثر عن هذا البلد وأهله. لكن ما يصعب عليك فهمه أو البحث عنه هو الجواب عن السؤال: من أين يأتي الفن؟ لعلك ترى السجادة فترى اختلافا بين أجزائها، لكنه اختلاف لا تراه لأول وهلة. سيتطلب الأمر منك شيئا من دقة الملاحظة قبل أن تكتشف أن اللوحة التي أمامك ليست خالية من الأخطاء، فليست كل وردة في السجادة تشبه الأخرى تماما، لكنها بوجه عام تتبع نظاما يربط أجزاءها ببعض. لكن من أين لهذه القرية الصغيرة من العالم، كل هذا الفن؟ من أين يأتي هذا التعبير الجماعي عن الذات؟ وهذا التعبير الذاتي عن الجماعة؟ كان أحد خبراء السجاد العالميين يبحث عن إجابة لسؤال كبير، من أين تأتي قيمة السجاد؟ وهو سؤال قريب للبحث عن سر الفن ومن أين يأتي. فجلس إلى زميل له زاره، وعرض عليه صورتين ملونتين لسجادتي صلاة، وسأله أي السجادتين تختار؟ كانت السجادتان قريبتين من بعضهما لونا وتصميما. أعاد عليه السؤال بطريقة أخرى، أي السجادتين تعبر عنك، الجيد فيك والسيئ، حاضرك وماضيك، أي السجادتين تمثل صورة مجازية تشبهك؟ جلس الرجل ينظر في الصورتين مدة طويلة. بعد أن انتهى من النظر في السجادتين قال: إن السجادة الأولى ذات ألوان قوية، معبرة، وتصميم أجمل، الخ. أما الأخرى، فهي أقل تأثيرا، تصميمها هادئ، وألوانها أقل إشعاعا. قال: فإن تُرك لي الخيار سأختار السجادة الأولى، ذات الألوان القوية والتصميم الجذاب، لكن السجادة الأخرى هي الأقرب تعبيرا عن نفسي. طلب الخبير من زميله إعادة النظر حتى يصل إلى جواب نهائي دون اعتبار الذوق الشخصي، أو ما يظنه معيارا للجمال تعلمه أو آمن به. فقال له: السجادة الثانية هي خياري بكل تأكيد. كانت السجادة التي اختارها صديقه، التي وجد أنها أكثر تعبيرا عن نفسه، هي سجادة تركمانية نادرة من نوع أرساري، أما السجادة التي لم يخترها وكانت أقرب إلى ذوقه، فكانت سجادة داغستانية، ذات ألوان جميلة، لكنها أقل أهمية. يغلب على الهواة ممن ليست لديهم خبرة في السجاد، كما يقول الخبير، أن تتجه أنظارهم إلى السجاد الداغستاني، أما خبراء السجاد، فستتجه أنظارهم مباشرة إلى السجاد الأرساري لقيمتها الفنية وقيمتها المادية. كان المعيار الذي اختاره خبير السجاد عميقا ويعبر عن حقيقة الفن وربما أجاب عن مصدره. إنها صورة الذات العميقة في الشيء. إنها مرآة من نوع خاص، مرآة للذات ترى من خلالها الآخر بلغة الجماعة. إن الفرق بين السجادتين ليس فرقا ذوقيا، بمعنى أن السجادة الأولى تعجبك والأخرى لا تعجبك. وليس الفرق أن الأولى ستعجب أكثر عدد من الناس، والأخرى لا. بل إن الفرق يذهب أبعد من ذلك وفي اتجاه آخر نحو الذات. بهذا المعنى يكون الفن هو الصورة الأقرب للذات. إنه الشيء الذي يكونك ولكن بمادة أخرى أو لغة أخرى. وبهذا المعنى يكون الفن قيمة تعبر الأزمنة، لأنها تعبّر عن إنسانية الإنسان أينما كان.