تلقى السقا الشرطَ بالقبول. أبدى استعداده التام لتلبيته مهما كلفه ذلك من عناء البحث. وبحكم عمله في تأمين الماء للبيوت لم يكن متعذراً عليه أن يظفر بسعد شقيق رفعة ولم تمض ثلاثة أشهر. لم يشأ أن يصدمه بخبر شقيقته. بدأ معه التعارف والاستئناس بالحديث. وحبك له قصة ضمّنها أنه فقد أخته ويئس من البحث عنها. فاستجاب سعد وقال «وأنا والله لي شقيقة اختفت وبلغوني جماعتي أنها طاحت في بئر وماتت فلا تحزن». عدّل السقا جلسته، وقال «ومن يبشّرك بسلامة أختك. وحياتها. وأنها في مكة. ماذا تعطيه؟»، أجابه «له ما طلب». مدّ يده ووضع الكف بالكف. قائلاً: «عاهدني بالله أنك تزوجني رفعة». ردّ الأخ «يا مخلوق قلي فين هي ذلحين. وعندها الخيرة في ما يختار الله». جاء العم وهما يتجادلان فرجّح كفة السقا بتزكيته له. ولوثوق سعد في عمه (أبو شنب) قَبِل أن يزوجه إذا رضيتْ رفعة. انطلق السقا والشقيق بجواره تتسارع دقات قلبه. بلغا المنزل وكأن رفعة تجد ريح سعد. نزلت سريعاً تفتح الباب وإذا بالوجه في الوجه بعد فقد خمسة أعوام. لم يستطع السقا الوقوف معهما. فالنحيب علا. وعبارات الشوق والتفدي وتقبيل الرأس واليد متبادلة بين شقيق وشقيقته فرقتهما صروف الدهر. رحبت بأخيها وأدخلته المجلس. عرّفته على أهلها المكيين. أعدت وجبة تليق بالمناسبة. وبعد العشاء سردت له حكايتها. احتضنها معتذراً لها. وفاتحها في موضوع خطبة السقا ليغيّر الموضوع. لم يمر أسبوع حتى تعالت الزغاريد. حلّت رفعة في بيت الزوجية. كان قدومها مباركاً على السقا. أصبح شيخ السقائين. أسهمت معه في بناء بيت جديد في حوض البقر. وخصصت غرفة في طرف الحوش للغرباء القادمين من القرى من أهلها وبني عمومتها. كانت تعد لهم الطعام. وتغسل ملابسهم. وتؤمن لهم فراش النوم. رفعة سيّدة قروية أصيلة. الشيمة والنخوة من صفاتها. أنعم الله عليها بالذرية. ومع توسع تجارة السقا وغناه ظلّت تتفقد المحتاج. وتؤوي المعدم. وتكرم الضعيف. وتغيث الملهوف. وتعين على نوائب الدهر. وتحسن للجميع حتى أخيها من أبيها. منذ أيام سمع أبو أحمد نبأ وفاتها. فأجهش بالبكاء. وقال لمن حوله: أنا ممن أحسنت إليهم رفعة. علمي وسلامتكم.