سراييفو: «الشرق الأوسط» استيقظت البوسنة أمس على صدمة المباني الرسمية المدمرة التي ينبعث منها الدخان غداة أعمال شغب انطلقت احتجاجا على الفقر وفشل منظومة اقتسام السلطة بين المكونات العرقية، في المدن الكبرى في البلاد، بعد عشرين سنة فقط على الحرب الطاحنة في هذا البلد. وعنونت صحيفة «أوسلوبوديني» بعد أعمال العنف التي جرح خلالها أكثر من 150 شخصا أمس: «حالة حرب! السلطة تحترق!». وعاد الهدوء أمس إلى البوسنة التي يبلغ عدد سكانها نحو أربعة ملايين نسمة وشهد عدد كبير من مدنها مظاهرات عنيفة لا سابق لها منذ الحرب التي جرت من 1992 إلى 1995. وفي سراييفو، انتشرت رائحة الدخان صباح أمس على مقربة من المباني التي تضم المقر الرئاسي والإدارة المحلية للعاصمة إثر تعرضها للحرق أول من أمس. وسعت عناصر الإطفاء طوال الليل إلى إخماد الحريق الذي طال مبنى الإدارة المحلية. وكانت مظاهرات ضد الفقر اندلعت في مدينة توزلا الشمالية ثم تمددت إلى عدة مدن أخرى مثل العاصمة وموستار (جنوب) وزينيتشا (وسط) وبيهاتش (شمال غرب)، وتحولت على مدى ثلاثة أيام متتالية إلى أعمال شغب. وانضم مشاغبون إلى آلاف من المتظاهرين وعمدوا إلى نهب وإحراق مباني الإدارة الرسمية في كل هذه المدن. وقالت يامينسكا فيسيتش التي تقيم في سراييفو: «من المحزن جدا رؤية هذه المدن تحترق بعد أقل من عشرين سنة على تجاوز جحيم آخر». وأضافت فيسيتش أن «الناس يحق لهم التحرك وقول ما يفكرون فيه، ولكن ليس تدمير المدن. أعتقد أن الطريق الوحيد للتغيير هو محاكمة وسجن من نهبوا هذا البلد طوال عشرين سنة». وشهدت البوسنة، الجمهورية اليوغوسلافية السابقة، بين 1992 و1995 نزاعا طائفيا داميا خلف نحو مائة ألف قتيل. وتترجم هذه المظاهرات نقمة السكان على طبقة سياسية عاجزة عن النهوض مجددا باقتصاد منكوب بلغت معه نسبة البطالة 44 في المائة من قوة العمل. وبدأت الحركة الاحتجاجية في توزلا التي كانت أكبر مدينة صناعية في البوسنة لكن عشرات الشركات التي يعمل فيها آلاف الأشخاص انهارت خلال عمليات الخصخصة أو تواجه خطر الإفلاس. وكتبت أكبر صحيفة بوسنية «دينيفني آفاز» أن «غضب الجائعين والفقراء والعاطلين عن العمل والمسحوقين الذي تفاقم في السنتين الأخيرتين انفجر في الشوارع». وكتب فلاستيمير ميوفيتش في افتتاحية الصحيفة أن «المواطنين ما عادوا ينوون التوسل للسلطة»، عادًّا أن «زمنا آخر جاء، زمن الضغط الشديد» على السلطات. ودعت بعثة الاتحاد الأوروبي في البوسنة والسفارة الأميركية إلى وقف أعمال العنف. وأرسى اتفاق دايتون للسلام الذي وضع حدا لنزاع 1995، بنية مؤسساتية بالغة التعقيد في البوسنة، حيث يتقاسم الصرب والكروات والمسلمون سلطة شبه عاجزة بسبب الخلافات الإثنية. وبسبب هذه العقبات وجدت البوسنة في السنوات الأخيرة، كغيرها من دول البلقان، نفسها في قلب عملية تقارب مع الاتحاد الأوروبي. والبوسنة مقسومة بين كيانين أحدهما صربي والثاني كرواتي مسلم توحدهما حكومة مركزية ضعيفة. وحدثت المظاهرات الاحتجاجية بشكل رئيسي في المدن الكرواتية المسلمة، لكن سجلت مظاهرة أول من أمس أيضا في مدينة بانيا لوكا الصربية (شمال) بلا حوادث.