د. غسان العزي لوقت طويل اعتقد الألمان أن بلادهم ستبقى بمنأى عن الإرهاب الذي يضرب دولاً مثل جارتهم فرنسا، ذلك أن الاقتصاد الألماني لا يعاني مما تعانيه اقتصادات دول كثيرة أخرى من بطالة وركود وضواح فقيرة يكتظ فيها العاطلون عن العمل البؤساء اليائسون والجاهزون بالتالي للردكلة والإرهاب. ثم إن ألمانيا غير منخرطة، عسكرياً ولا سياسياً، في أزمات الشرق الأوسط كما هي حال فرنسا أو بريطانيا، على سبيل المثال. ومؤخراً كشفت عن ثقافة ضيافة عبر استقبال مئات الآلاف من النازحين واللاجئين السوريين والعراقيين وغيرهم الهاربين من جحيم الحروب في بلادهم، وذلك بسبب تبني المستشارة ميركل لسياسة انفتاحية حيال مسألة اللجوء والهجرة مختلفة عن تلك التي اتبعتها الدول الأوروبية الأخرى. استنفرت البلديات والمؤسسات المختصة بالإضافة إلى آلاف المتطوعين الألمان لتحضير البنية التحتية القادرة على استقبال هؤلاء الوافدين بشكل طارئ، على الرغم من معارضة شريحة شعبية واسعة وأحزاب يمينية متطرفة وشعبوية حذرت من وصول الإرهاب والفوضى والاضطرابات مع هؤلاء النازحين. وفجأة في أسبوع واحد، بين ١٨ و٢٤ يوليو الماضي، تعرضت ألمانيا إلى أربع هجمات إرهابية. مقاطعة بافاريا عاشت أياماً مرعبة، هذا ما قاله هورست سيهوفر في ٢٥ يوليو الماضي، في وقت كانت هذه المقاطعة التي يديرها منذ العام ٢٠٠٨ هدفاً لثلاثة أعمال إرهابية في أسبوع واحد. إنه أسوأ سيناريو تتعرض له ميركل، ذلك أن ثلاثاً من الهجمات الأربع ارتكبها طالبو لجوء، الأمر الذي دعم أطروحات منتقدي سياساتها المتعلقة بالنازحين واللاجئين. لكن مؤيدي المستشارة دافعوا عن سياستها التي قال عنها معارضوها بأنها فتحت أبواب الجحيم وأوصلت الإرهاب الإسلامي إلى ألمانيا (وزير العدل البافاري وينفرد بوسباك). فوزير الداخلية توماس دوميزيير رد بالقول إنه لا ينبغي علينا أن ننظر إلى كل اللاجئين بالطريقة المتوجسة نفسها، فهناك حالات معزولة بينهم اتُخذت بحقها إجراءات قانونية، وهذه الحالات لا تزيد على الستين طالب لجوء يشتبه بصلات لهم مع منظمات إرهابية. ويضيف ألريك دمر، الناطق باسم المستشارة، أن النسبة المتوسطة لخطر الجريمة، في صفوف اللاجئين، لا تزيد على نظيرتها في البلد ككل. في المقابل تعلو الأصوات، في صفوف الأحزاب الشعبوية والنازية الجديدة، لتؤكد عبر كل وسائل الإعلام والاتصال، أن الجرائم وفقدان الأمن سببها اللاجئون، كما أعلن أندريه بوجنبورغ زعيم أحد الأحزاب المتطرفة. لكن المشكلة ليست في ما يقوله ويفعله المتطرفون الألمان بل في أن مثل هذه الأصوات بدأت تعلو في صفوف الاتحاد المسيحي الديمقراطي نفسه. فقد أعلن وزير داخلية بافاريا يواكيم هيرمان، الذي ينتمي إلى حزب المستشارة، أن من بين أولئك الذين يصلون إلى ألمانيا أشخاصاً يمثلون خطراً حقيقياً، يؤيده في ذلك رينر وند رئيس نقابة الشرطة الذي أوضح أن بعض اللاجئين مرضى أو غير مستقرين نفسياً إلى درجة تمثل خطراً علينا. يدعم هذا الرأي أن مقتلة ٢٤ يوليو في مركز تجاري في ميونيخ ارتكبها ألماني-إيراني (دافيد علي سنبلي) عمره ١٨ سنة. لا خلفية سياسية لهذه العملية بل نتيجة مرض نفسي، أنها كما وصفها أحد الأطباء النفسيين انتحار يرتدي لبوس العمل الإرهابي. وهذه حالة معظم العمليات التي يرتكبها جنود داعش مثل اللاجئ السوري محمد دليل الذي فجر نفسه على مدخل حفل موسيقي يضم ألفي شخص مساء الأحد في ٢٤ يوليو في مدينة انسباخ الصغيرة. محمد دليل كان مريضاً نفسياً حاول الانتحار مرتين. وعمليته الإرهابية كانت بمثابة محاولة الانتحار الثالثة التي تكللت بالنجاح بترتيب من تنظيم داعش الذي يسعى لتجنيد أمثاله. التفجيرات الإرهابية التي حدثت في مدن صغيرة ومتوسطة عادة ما تكون أكثر أماناً من المدن الكبيرة المكتظة،خلقت صدمة واسعة على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والنفسية والإعلامية. ومهما يكن من أمر فان من نتائجها المتوقعة أن تضطر أنجيلا ميركل للقبول بتعديل سياستها حيال اللاجئين وأن تلجأ إلى المزيد من التنسيق، السياسي والعسكري، مع الدول الغربية الأخرى لاسيما تلك المشاركة في الحرب على داعش، مع تقديم المزيد من المساعدات للقوات العسكرية المواجهة لداعش على الأرض مثل البشمركة وقوات سوريا الديمقراطية وغيرها. أما النتيجة الأهم فهي تصاعد الاسلاموفوبيا وتقوية التيارات اليمينية المتطرفة والعنصرية والنازية الجديدة التي تكره الغرباء لا سيما المسلمين والعرب منهم. هذه التيارات تدين بالشكر الجزيل لداعش وأخواتها.