تُظهر عمليات المسح الخاصة بالمستهلكين أن الفيتامين D يتفوّق على المكملات الغذائية الأخرى، بما فيها زيت السمك، البروبيوتيك، وحتى الفيتامينات المتعددة. ويبدو هذا الأمر مفاجئاً، بما أن الفيتامين D يشكّل أحد أنواع الفيتامينات القليلة التي يمكننا إنتاجها بمفردنا. يكفي أن نعرّض بشرتنا لأشعة الشمس، ويتولى جسمنا إنتاج هذا الفيتامين. لكن حملة مكملات الفيتامين D الغذائية هذه لا تشكّل خدعة بالضرورة، إلا أنها تقوم على فيض من معلومات غير صحيحة وبيانات علمية محيرة. الفيتامين D ضروري لصحة العظم، نحتاج إليه لامتصاص الكالسيوم وغيره من أملاح معدنية. كذلك تسعى بحوث عدة اليوم إلى تحديد ما إذا كان هذا الفيتامين يؤدي دوراً وقائياً في حالة أمراض مثل الربو، الأمراض القلبية الوعائية، ارتفاع ضغط الدم، أمراض المناعة الذاتية كالداء السكري من النمط الأول، وطبعاً السرطان. صحيح أن العلماء لم ينجحوا بعد في إثبات هذه الروابط (واقع نتجاهله غالباً)، لكن توقع العناوين اللافتة ما يكفي من الناس في الحيرة لنمو سوق هذا الفيتامين بنسبة %10 سنوياً. تشمل العوامل الأخرى، التي تساهم في نمو هذه السوق، واقع أن كثيرين منّا لا يتعرّضون مباشرة لأشعة الشمس، إما لأننا نستعمل كريماً واقياً من أشعة الشمس أو لأننا نظلّ في الداخل طوال النهار. وباستثناء كبد السمك، ما من أطعمة كثيرة تحتوي على الفيتامين D. بدلاً من ذلك، يعود الفيتامين D في معظم الأطعمة والمكملات الغذائية إلى اللانولين المشع (مادة دهنية في صوف الخراف). ولكن إن كنت لا تتناول أطعمة مدعمة بالفيتامين D، فإنك لا تحصل على الأرجح على كمية كافية منه من غذائك. إليك نقطة مهمة: لا نعرف بالتحديد الكمية الملائمة من الفيتامين D التي نحتاج إليها. ينصح معهد الطب، الذي يحدد الكميات اليومية الموصى بها من المواد المغذية للشعب الأميركي، بـ600 وحدة دولية للشخص البالغ الذي يتمتع بصحة جيدة ويحظى بالمقدار الأدنى من التعرض لأشعة الشمس. لكنّ كثيراً من الخبراء يؤكدون أن هذه الكمية متدنية لأنها تستند إلى مقدار الفيتامين D الضروري للحفاظ على صحة العظم وعملية أيض الكالسيوم فحسب (درس معهد الطب تأثيرات الفيتامين D الأخرى، إلا أنه أشار إلى أن الأدلة ما زالت أضعف من أن تدفعه إلى التوصية بكمية أكبر). ويشدد هؤلاء النقاد على ضرورة زيادة كمية الفيتامين D للاستفادة من فوائده الأخرى. يعني هذا الخلاف أن فحوص الدم التي تتحقق من الفيتامين D، أقرب إلى اختبار منه إلى أداة تشخيص فعلية: يعتمد تحديد ما إذا كنت تعاني عوز هذا الفيتامين على تفسير طبيبك ما يُعتبر “ملائماً”. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي عينة الدم ذاتها إلى نتائج مختلفة باختلاف المختبرات التي تحللها القرار الذكي لكي يمكنك أن تتخذ قراراً ذكياً بشأن ما إذا كان عليك تناول مكمل غذائي يحتوي على الفيتامين D: يكفي أن تطرح على نفسك الأسئلة التالية: - هل تمضي 15 دقيقة أو أكثر في الشمس من دون أن تضع كريماً واقياً أو ترتدي ملابس تحميك من أشعة الشمس مرات عدة أسبوعياً؟ إن كانت إجابتك “نعم”، فلا تعاني على الأرجح أي نقص في الفيتامين D طوال الجزء الأكبر من السنة. فضلاً عن ذلك، يدرك جسمنا متى عليه الكف عن إنتاج الفيتامين D. لذلك، لا تواجه خطر الإصابة بجرعة زائدة جراء التعرض لأشعة الشمس. - هل ترضعين؟ إن كنت كذلك، فمن الأفضل أن تعطي طفلك مكملاً غذائياً يحتوي على الفيتامين D لأن حليب الأم لا يحتوي على كمية كبيرة من هذا الفيتامين. كشفت الأدلة أننا تطورنا بطريقة تتيح لنا سد حاجتنا من هذا الفيتامين من أشعة الشمس لا الطعام. - ما مقدار الدقة العلمية (وخطر الإصابة بسرطان الجلد) الذي قد تقبل به؟ إن أصررت على دقة علمية كاملة، يمكنك الالتزام بالـ600 وحدة دولية الموصى بها رسمياً للحفاظ على صحة العظم. ولكن تذكّر أن الكميات الموصى بها تشكّل توجيهات تحدد متوسط الاستهلاك العام للشعب بأكمله. ولكن إن أردت توخي الحذر والتأكد من أن جسمك يحصل على الكمية الكافية من هذا الفيتامين، فلا ضرر من رفع استهلاكك إلى نحو 4 آلاف وحدة دولية يومياً. علاوة على ذلك، يصرّ بعض العلماء على أن 10 آلاف وحدة دولية من الفيتامين D لا تلحق الأذى بمعظم الناس. ولكن لا داعي للمبالغة: فلا يجمع العلماء على أن الجرعات الكبيرة مفيدة. على الأمد الطويل، يؤدي معظم أنواع المكملات الغذائية التي تحتوي على الفيتامين D إلى معدلات عالية على نحو خطير من الكالسيوم في الدم وغيرها من مشاكل، ما قد يلحق الضرر بالقلب، الأوعية الدموية، والكليتين. ما زال غذاء الإنسان يشمل كثيراً من الألغاز، من بينها الفيتامين D. ولن نتمكن من حل هذا اللغز على الأرجح في المستقبل القريب. ولكن يجب ألا يمنعنا هذا الأمر من اتخاذ قرارات مدروسة تستند إلى ما نعرفه عن الفيتامين D وما نعرفه عن نفسنا.