×
محافظة المنطقة الشرقية

تحرك سعودي عاجل لحل أزمة أعداد كبيرة من الهنود خسروا وظائفهم في المملكة

صورة الخبر

في بادرة حضارية مشرقة أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مبادرة إدراج مادة التربية الأخلاقية في المناهج الدراسية، لترسيخ القيم الأخلاقية بين طلبة المدارس، وهي بادرة استشرافية مميزة بكل المقاييس، ذات تأثير كبير في حاضر الوطن ومستقبله، تعكس حرص القيادة الحكيمة على النهوض بالإنسان والرقي به، فطالما كان الإنسان موضع اهتمام حكومة دولة الإمارات التي تؤمن بأن استثمار الإنسان هو أفضل استثمار، وأن الإنسان هو أساس البناء والنهوض وأن الأخلاق هي ثروته التي لا تعوض. إن الأهمية الكبرى لهذه المبادرة لا تخفى، فالأخلاق أساس نهضة الأمم وسعادة الشعوب، وهي قضية محورية لبناء أجيال مبدعة راقية، وقد كانت الأخلاق مادة خصبة وميداناً رحباً للعلماء والأدباء والشعراء والحكماء وغيرهم عبر التاريخ، وحاجة النفوس إلى الأخلاق كحاجتها إلى الطعام والشراب، بل أعظم، فالطعام والشراب غذاء الجسد، والأخلاق غذاء الروح والنفس، ومن رُزق الأخلاق فقد أوتي خيراً كثيراً، يقول الشاعر: وإذا رُزقت خليقةً محمودةً... فقد اصطفاك مقسم الأرزاق وقد ارتبط الدين الإسلامي الحنيف بالأخلاق ارتباطاً وثيقاً منذ بزوغ فجره الساطع، فقد قال النبي عليه السلام: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وتبوأت الأخلاق منزلة عالية جداً في التعاليم الإسلامية، التي اعتبرت صلاح النفوس وتحليها بالأخلاق الفاضلة من المقاصد العليا، وأشرقت شمس الأخلاق في أعلى درجاتها وأكمل تجلياتها في شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام، الذي وصفه ربه بقوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}، وقوله سبحانه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وكانت التربية الأخلاقية جزءاً صميماً في المدرسة النبوية الشريفة، التي تخرج منها صحابة أجلاء ضربوا أروع الأمثلة في الأخلاق والمُثل العليا، ولهذا يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: الشريعة كلها إنما هي تخلُّق بمكارم الأخلاق. وكانت التربية الأخلاقية والعلم قرينين لا ينفصلان في واقع طلاب العلم في العصور الأولى، وحظيت منهم باهتمام بالغ، يقول التابعي الجليل محمد بن سيرين: كانوا يتعلمون الهدي (أي الأخلاق) كما يتعلمون العلم، وكان تعلم الأخلاق له الصدارة في أروقة العلم والمعرفة آنذاك، يقول الإمام مالك موصياً أحد الفتيان: تعلَّم الأدب قبل أن تتعلم العلم، ويقول عبد الله بن المبارك: طلبت الأدب ثلاثين سنة، وطلبت العلم عشرين سنة، وكانوا يطلبون الأدب ثم العلم، وقال أيضاً: كاد الأدب يكون ثلثي العلم، وقال بعضهم لابنه: يا بني لأن تتعلم بابًا من الأدب أحبُّ إليَّ من أن تتعلم سبعين بابًا من أبواب العلم، ولذلك حفلت المكتبة الإسلامية عبر العصور بالكثير من المؤلفات والتصانيف المتجددة في التربية الأخلاقية، التي تمثل للأمة معيناً لا ينضب. إن أهمية ترسيخ التربية الأخلاقية في نفوس الأجيال كبيرة، فهي وسيلة لحماية العقول والنفوس من التطرف والانحلال، وهي خير علاج للجرائم الأخلاقية والاجتماعية والإرهابية، وأهميتها كبرى في هذا العصر الذي يزخر بتحديات كثيرة، من أبرزها هذه الأيام الإرهاب، الذي يغتال العقول، ويسرق أمان الأبرياء، وينشر بذور القتل والإجرام، ويهدم صروح الأخلاق بمعاوله الدامية، والتربية الأخلاقية سد منيع أمام هذا التحدي الكبير، كما أن الأخلاق تعزز الوازع الذاتي، وتصون الأفراد من الانحلال والانحرافات الأخلاقية التي تعتبر إحدى روافد الجريمة في المجتمعات. ويأتي ترسيخ التربية الأخلاقية في المنظومة التعليمية ليؤكد الصلة الوثقى بين العلم والأخلاق، وأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر، فالأخلاق بلا علم كروح بلا جسد، والعلم بلا أخلاق كجسد بلا روح، وترسيخ هذه الصلة قضية في غاية الأهمية، خاصة في هذا العصر عصر الثورة العلمية والتقنيات، مع بروز تيار علماء الطبيعة الماديين، الذين ربطوا الثورة العلمية المعاصرة في بعض جوانبها بترسيخ النزعة المادية، وأشاعوا أفكاراً تمثل في جوهرها كسراً للأخلاق وقطعاً لصلة العلم بها، وحاولوا تأصيل قيم مادية مفرطة كبديل عن القيم الأخلاقية، مما كان له أبلغ الأثر في نشر روح الأنانية وتعظيم الذات وإهمال المسؤولية المجتمعية وإضعاف روح التكافل وقطع الشعور بالآخر وترسيخ مبدأ المنفعة والمصلحة، والترويج للنسبية الأخلاقية، التي لا تؤمن بالثوابت الأخلاقية، وتجعل من الأخلاق عجيبة تصنعها المصالح والمنافع والأهواء. كل هذه العوامل وغيرها تحتم العناية بالتربية الأخلاقية، وترسيخها في المجتمع، سيما لدى طلبة المدارس الذين هم نواة الشباب الناهض بالمجتمع، ومعدنه الأول، ونواته الأساس، وإدخال مادة التربية الأخلاقية في المناهج الدراسية تجعل المدرسة بحق مصنعاً فاعلاً لتخريج أجيال متمسكة حتى النخاع بالأخلاق العالية والقيم الراقية، مما له الأثر العظيم في تطوير ذواتهم، وتزويدهم بالمقومات الأخلاقية التي ترقى بهم في آفاق المعالي، وتجعل منهم أفراداً إيجابيين فاعلين في مجتمعهم ووطنهم، يحبون العلم والعمل، ويسعون في خير البلاد والعباد، ويتحلون بالصدق، والأمانة، والوفاء، والتسامح، والتواضع، والصفح، وسلامة الصدر، والحلم، والأناة، والعفة، والعدل، والسخاء، والتكاتف، والتكافل، وغيرها، وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ،حفظه الله، مكانة القيم الفاضلة في بناء الأمم ونهضتها، وأنه مهما بلغت الدول من تقدم علمي ومعرفي وتقني فإن ديمومة بقائها مرهونة بمدى محافظتها على قيمها النبيلة وتمسكها بمبادئها السامية.