لم تعد الدنيا آمنة، الإرهاب وصل إلى كل مكان، واجتاح الحواجز وحدود الأوطان، وأصبح لا يكترث لحرمة مكان أو زمان، لا أحد آمناً، لا قريباً ولا بعيداً، صرنا في زمن يعدّ فيه قتل الوالدين من القربات، وتحول القريب إلى وحش ضار يسعى إلى انتزاع أرواح أقاربه، داس الإرهاب كل الثوابت الدينية والمقدسات، وأصبح جنون الإرهاب يجتاح العالم، ونجح في زرع الخوف والرعب في المجتمعات، رغم أن دولته في حالة انهيار! ورغم التدابير الأمنية المشددة التي بدأت تتخذها الدول الديمقراطية مؤخراً! ولكن ما جدواها أمام من أراد تفجير نفسه في المدنيين هدفا للوصول إلى الجنة؟ لقد أصبح الإرهاب أهم تحديات العالم المعاصر، وأصبح الهاجس الأمني أكثر ما يشغل ويقلق المسؤولين والمحللين في العالم، وصار مناخ الرعب مزلزلاً للمجتمعات الديمقراطية، وفي مثل هذا المناخ المرعب ينتعش الخطاب الشعبوي، والانتهازي، واللاعقلاني والمضلل للجماهير، عبر إثارة غرائزهم الأولية التعصبية ضد الآخر المختلف والوافد والمهاجر، باعتباره خطراً يهدد الأمن والهوية. وهكذا نجح الإرهابيون عندنا والذين ينسبون جرائمهم إلى الجهاد الإسلامي في خدمة اليمينيين العنصريين في أوروبا وأميركا، وتلاقى الضدان، فاستغل القادة الشعبويون والزعماء اليمينيون مناخ الخوف وصولاً إلى السلطة، فزرع الخوف يخدم المتطرفين دائماً. لقد أصبح الخوف من الآخر هو الناخب الأقوى اليوم في المجتمعات الديمقراطية، وصار خطاب الهاجس الأمني أقدر على الحشد الجماهيري، وأصبح الخطيب السياسي الذي يمتلك القدرة على إثارة مشاعر الخوف الجماهيري يحظى بفرص أقوى للفوز، وهذا ما يفسر شعارات وتصريحات دونالد ترامب في سباق الرئاسة الأميركية، يتلاعب بمشاعر الناخبين، ويعدهم بأميركا العظيمة والقوية والحصينة بمنع المهاجرين، وإقامة الجدران والأسوار، والمزيد من وضع الأقفال على الأبواب وغلق النوافذ! لولا مناخ الرعب المهيمن لما كان متصورا أن يرشح الحزب الجمهوري شخصاً عديم الخبرة في الأمور السياسية الداخلية وفي الشؤون الخارجية الدولية مثل ترامب! وهو ما يفسر خروج بريطانيا من الاتحاد، لقد استغل قادة الخروج الهاجس الأمني، ووظفوا مناخ الخوف من غزو المهاجرين لجزيرتهم وتغيير نمط حياتهم، وعبور العمليات الإرهابية من أوروبا إليهم، باعوا وعود الوهم، وضللوا الجماهير بمعلومات غير صحيحة، اعترفوا بخطئها مؤخراً، لكن بعد أن حققوا هدفهم وكسبوا الاستفتاء، وها هم اليوم في حيرة من أمرهم، لا يعرفون كيف الخروج! لم يكن متصوراً أن يصبح وزير للخارجية شخصية جارحة لأدبيات الدبلوماسية! إلا لمجرد كونه أكبر المثيرين للمخاوف من المهاجرين! لقد كان من تداعيات مناخ الرعب في المجتمعات الأوروبية ما نشاهده من صعود التيارات اليمينية المتعصبة ضد الآخر، والمنذرة في حالة وصولها إلى صناعة القرار، بإحداث تغييرات عميقة في بنية الاتحاد الأوروبي وخريطة تحالفاته وعلاقاته الدولية، وفي فرنسا اليوم، مهد فلسفة الحريات أولاً المستمدة من فلسفة روسو في خيرية الإنسان، وبعد الحوادث الإرهابية المتتالية التي ضربتها، فإن أكثرية 78 في المئة من الفرنسيين مع التنازل عن حرياتهم في سبيل الأمن أولاً، وهذا يعني حصول توجه عام نحو تغيير فلسفة الحريات الغربية القائمة على قدسية حرية الإنسان أولاً! وغير مستبعد في ظل مناخ الخوف والهلع وصول لوبن إلى الإليزيه قريباً، وخسران ميركل الانتخابات المقبلة طبقا لمحللين، وانحسار المكتسبات الديمقرطية لمصلحة المهيجين الشعبويين، والانعزاليين، والعنصريين، في أوروبا وأميركا. أما في دول الشرق الأوسط فمناخ الخوف حاكم ومهيمن، وما يحصل في تركيا بعد الانقلاب الفاشل هدية السماء، وما حصل في إيران ودول عربية من حملات تصفية وإقصاء، استغلالاً لمناخ الخوف، خير شاهد. ختاماً: هدف الإرهاب النهائي خلق حالة هلع ورعب تقوض الأسس المدنية للدولة الوطنية، والمؤسسات الديمقراطية، وشيوع الفوضى، والصراعات الطائفية والدينية والقومية، والاقتتال الداخلي، علينا إفشال هذا الهدف، ومواجهته شعبياً ووطنياً، بالمزيد من التمسك بالقيم الأخلاقية، والمكتسبات الديمقراطية، والوحدة الوطنية، وعدم الانقياد وراء أوهام القادة الشعبويين الذين يوظفون، الخوف من الآخر، في خدمة أهدافهم السياسية. * كاتب قطري