لستُ متشائماً أو انهزامياً، لكنني واقعي، أقرأ المشهد العربي والإقليمي والدولي بدقة ودون فلاتر وردية أو خدع بصرية، لتجميل الواقع، لتتواصل غفلتنا، حتى نصحو على واقع أكثر إيلاماً، وربما خطر ماحق ينتظرنا عند مخادعنا. الواقع والمعطيات يقولان إن إيران طرف منتصر في منطقتنا، وكل الكلام عن أزمة إيران بسبب توسعها في جوارها هو كلام غير دقيق لنواسي به أنفسنا. طهران ممسكة بالجوار العربي الحيوي لها، إما بالاحتلال المباشر، كما هو حادث في العراق ولبنان وسورية، أو التهديد بالقوة، أو بمريديها من الطائفة الشيعية، كما يحدث في اليمن والبحرين ودول أخرى. أما بقية الدول العربية، فهي في حالة انكفاء أو حياد مع إيران، مثل مصر وتونس، أو أصدقاء لها مثل الجزائر. وبشكل عام، فإن العالم العربي اختصر حالته الرثة الممزقة في قمة نواكشوط الأسبوع الماضي. أما مشهد مؤتمر المعارضة الإيرانية الذي عقد في باريس، فهو عرض كرنفالي رائع، لكنه جاء متأخراً وفي غياب أي مساندة من القوى الكبرى الفاعلة، فنظام الملالي في إيران أصبح خبيراً في قمع أي تحرك ضده، وآلته العقائدية متمكنة من الريف الإيراني مستودع الجنود الذين يموتون للدفاع عنه في الداخل أو في سورية والعراق وأي موقع آخر، للحصول على لقب شهيد، والتمهيد لخروج المهدي المنتظر، أو لدوافع قومية فارسية، كما أن طبيعة الجغرافيا الإيرانية والإمكانيات الزراعية والموارد المتنوعة تصعب أي خطط لمحاصرة إيران. إيران انتصرت يوم تراجع العرب السُنة أمامها في لبنان ووقع أطراف النزاع اتفاق الدوحة، فالمواجهة مع إيران كان يجب أن تبدأ وتحسم على أرض لبنان التي انطلق منها فعلياً المشروع الإيراني في العالم العربي، وذراعه الحقيقية حزب الله الذي تضرب به في كل مكان، في سورية والعراق واليمن والبحرين... إلخ، وزُين لبعضنا الاستسلام، حتى لا يخسر استثماراته في "السوليدير"، ولكي يحمي السُنة اللبنانيين، وفي النهاية أقفل "السوليدير" وضرب السُنة اللبنانيون في صيدا وطرابلس، وأخرج الرجال في "الطريق الجديدة" مقيدي الأيدي من منازلهم في 7 أيار المشهود. أما أميركا، فما فتئت توجه اللكمات لدول الخليج والعرب السُنة، بقفازات مختلفة بضربات فنية خفية ومؤثرة، وقرار تسليم المنطقة لإيران هو قرار المؤسسات الحاكمة في واشنطن، ولا علاقة له بإدارة جمهورية أو ديمقراطية، فتسليم العراق لإيران بدأ في نهاية ولاية جورج بوش الابن الجمهوري، وكذلك المفاوضات على الملف النووي الإيراني، واستكمل المهمتين باراك أوباما الديمقراطي، وعملية التطهير العرقي للسُنة في العراق وسورية تتم تحت بصر الأقمار الصناعية الأميركية، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري يطلع على تفاصيل خطة التوازن الطائفي التي تنفذها روسيا في سورية كلما التقى نظيره الروسي، وهي الخطة التي تهدف إلى تهجير السُنة أو قتلهم، وأعضاء البرلمانات الأوروبية ورؤساء أجهزتهم الاستخباراتية هم ضيوف دائمون لدى سفاح دمشق بشار الأسد. بعد كل ذلك، هناك من لايزال يعتقد أننا في وضع يمكننا من المواجهة، وخاصة بعد التطورات الأخيرة في تركيا، واتضاح أن أنقرة بعيدة جداً من أن تكون طرفاً مؤثراً في اللعبة الإقليمية. في ظل ذلك، ألا نحتاج لأن نكون واقعيين، ونحاول احتواء طهران، لأنها الآن في حالة من فائض القوة والدعم الدولي غير المباشر لها من القوى الخبيثة؟!