أقل ما يمكن أن يُقال عن مواقف الإدارة الأمريكية من الثورة السورية أنها متذبذبة، أو هكذا تبدو على الأقل لكل متابع، وأنها تنطلق في إستراتيجيتها الشمولية من منطلقات المصالح الصهيونية التي تخطط مع الولايات المتحدة لاحتلال جنوب سوريا، لذلك تريد الإدارة الأمريكية للاقتتال السوري - السوري أن يمتد لأطول مدى ممكن، ولذلك أيضاً اعتبرت الإدارة الأمريكية تمكن "المجتمع الدولي" من الضغط على سوريا للتخلص من السلاح الكيماوي منعطفاً مهماً في تقييم واشنطن للنظام الطائفي السوري، وليس مهماً للإدارة الأمريكية، و لا لإسرائيل أن يبقى شخص الرئيس بشار الأسد بقدر ما يهمّها استمرارية النظام الطائفي المدعوم من قبل إيران الصفوية وحزب الشيطان بلبنان والحكومة الطائفية بالعراق وقوى الحوثيين الصاعدة من جديد باليمن. و على ضوء ما سلف، يمكن قراءة تصريحات وزير الخارجية الأمريكية جون كيري (بتنامي قوة بشار مؤخرًا، بعد الاتفاق حول تدمير ترسانته الكيماوية، إلا أن نظامه عاجز عن تحقيق النصر العسكري، عازيًا صموده للدور الذي يلعبه حزب الله وإيران في دعمه). كما جاءت إجابة كيري في معرض رده على سؤال حول تصريح مدير جهاز الأمن القومي الأمريكي جيمس كلابر بأن الاتفاق على تدمير الأسلحة الكيماوية السورية أدى إلى تقوية الأسد (أي لين الموقف الأمريكي مع نظام الأسد)، قال كيري: (الاتفاق حول السلاح الكيماوي نقطة مهمة بمسار الأزمة، وتمثل تقدمًا واضحًا. لقد حصل بعض التباطؤ بالفعل خلال الشهر الأخير، ولكننا أثرنا القضية وأظن أن الملف سيسرع الآن). وأكد كيري خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "سي إن إن" إلى تزايد دور "حزب الله" والحرس الثوري الإيراني في دعم الأسد مَثَّل نقطة تحول بالنسبة إليه، نافيًا في الوقت نفسه أن يكون الأسد في طريقه لتسجيل انتصار، ولكنه أيضًا ليس على طريق الهزيمة، وبالتالي هناك حالة مراوحة على حد تعبير كيري. ويقرأ الكثيرون هذه التصريحات على أنها ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية لتغوّل ما يُسمّى الهلال الشيعي بالمنطقة من طهران حتى دمشق مروراً ببغداد والجنوب اللبناني ليُشكِّل ذلك حلفاً إقليمياً طائفياً مع الأمريكيين ضد الغالبية السنية بالمنطقة، لأن الإدارة الأمريكية ترى في التحالف المشار إليه سابقاً تحقيق مصالحها ومصالح الدولة الصهيونية في المستقبل المنظور. كما أكد الوزير كيري تخلِّي الإدارة الأمريكية عن فكرة دعم المعارضة عسكريًّا بل وتشجيع الاقتتال البيني لمختلف فصائل المقاومة، وخلط الأوراق من خلال إيجاد جبهات مقاومة عسكرية جديدة بين الفينة والفينة على اختيار الإدارة الأمريكية بالوقوف مع النظام الطائفي البشع بسوريا بدلاً من المقاومة السنية، وتحويل الوعود السابقة لدعم المقاومة عسكرياً وتحويلها إلى مساعدات "إنسانية"، إذ جاء في معرض تصريحاته الأخيرة: إن واشنطن تُوفِّر مساعدات إنسانية للشعب السوري. كما أكدت تصريحات كيري بشكلٍ سافر على التحالف الأمريكي الإسرائيلي الإيراني إذ قال في إجابته عن الاتفاق حول برنامج إيران النووي: إن ما تُردِّده طهران لشعبها عن نجاحها بتحقيق انتصار كبير شيء "طبيعي"، وإن واشنطن لم تتعرض للخداع، مبدياً ارتياحه للتعاون الإيراني الذي يجعل "إسرائيل" والمنطقة في أمان تام، وفق تعبيره. تفرض تغيّر السياسات الأمريكية في المنطقة المبنية على تحالف أمريكي إسرائيلي إيراني سوري وبقية المساندين، واقعاً جديداً مؤدلجاً ومضاداً بالمقام الأول للدول السنية في المنطقة، مبيناً وبشكل جلي أن الاصطفافات السابقة لهذا التحول الاستراتيجي يجب أن تتغير هي الأخرى لمواكبة الواقع الجديد وبالسرعة اللازمة وقبل أن لا ينفع الندم. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (42) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain