×
محافظة المنطقة الشرقية

لا تراجع في مؤشر البحرين لحقوق الطفل

صورة الخبر

تجارة الدين مصطلح قديم، وإن كان قد شاع مؤخراً في بلادنا العربية بعد ظهور تيار الإسلام السياسي أو "عودته"؛ لكي أكون أدق اصطلاحاً. يظهر تعريف التجارة بالدين بمنتهى الوضوح في رواية جورج أورويل "مزرعة الحيوانات"؛ حيث يمثل رجال الدين في غربان ذات أعناق بيضاء كناية عن القساوسة المحيطين بالملوك في الحقبة الزمنية التي كان يتناولها "أورويل" في روسيا. يظهر أولئك الغربان في الرواية شخصيات بارعة التحدث تنادي بقية الحيوانات في المزرعة بالصبر علي الجوع والفقر والابتلاء في سبيل نيل الجنة في الآخرة، تلك الجنة التي وصفها لهم الغراب بأرض الحلوى (كاندي لاند)، وظل الغراب بأمر من الخنازير، وهم النخبة الحاكمة في الرواية، يصبر الناس حتى كفروا به وبأقواله في نهاية الأمر، والرمزية في الرواية حقيقية للغاية، فتجارة الدين تؤذي الدين بأكثر مما تؤذي التجار أو المتاجر بهم، ولكن هل تيارات الإسلام السياسي بمصر أو بالعالم الإسلامي تعد تيارات متاجرة بالدين بتعريفه الأصلي؟ إنني في هذا المقال لا أتناول جماعة من الجماعات أو تياراً من التيارات وأبرر لأخطائه أو فشله أو حتى لجرائمه، ولا حتى أهاجم إياها، ولكن المتاجر بالدين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مقتنعاً بتجارته، بمعنى أن شرطاً أساسياً من شروط التجارة بالدين أن يكون المتاجر هادفاً لما سيحصل عليه من هذه التجارة، لا أن يكون هادفاً للشيء المتاجر به في حد ذاته، وفي واقع الأمر فهذه هي الشعرة الرفيعة التي تفصل بين المتاجرين بالدين والمؤمنين بقدرته على التدخل في أشياء يلحد البعض الآخر بها. طالما ظل تيار الإسلام السياسي يؤمن إيماناً حقيقياً بقدرة الدين على التدخل في السياسة بل وإصلاحها، ويؤمن بأن الدين هو الحل في تطهيرها مما تعلق بها مؤخراً من فساد ونجاسة.. إلخ تماماً كما آمن من قبله مثلاً رجال الدين المسيحي بقدرتهم على التدخل في السياسة قبل عصر التنوير الأوروبي، فبغض النظر عن الفشل الحديث لأغلب هذه التيارات في إثبات وجهة نظرها لعدم الاستحواذ الحقيقي لأي منها على الحكم أو لقصر النظر أو لتمثيلهم دور المعارض لفترة طويلة، مما جعلهم قليلي الخبرة في تولي شؤون الحكم، أو لغير ذلك من الأخطاء التي أدت لفشلهم تماماً وإزاحتهم من الساحة، هذا السبب يحول دون كونهم متاجرين بالدين، إلا إذا نضب ذلك الإيمان وتحول الهدف بدلاً من كونه تحقيق ما يؤمنون به من نهضة بالدين، وفي سبيل الدين، إلى السلطة أو الحكم وصار الدين وسيلة وطريقة وليس هدفاً عندها يكونون مستحقين للقب تجار دين عن جدارة. أما عن التجارة بالدين الواضحة الجلية التي يتجنبها الناس ويتحاشونها تماماً، فهي التجارة بالدين لهدف معاكس تماماً عن الهدف الذي ذكرته سابقاً وهو تثبيت وتوطيد الحكم لمن هم فيه بالفعل، لا الوصول إليه تماماً، كما جاء في رواية جورج أورويل، عندما يتجاهل الخطباء والشيوخ ما يفعله بعض الأغنياء من سرقة، ويتم التركيز بالكامل على أهمية الصبر لدى الفقراء، فهذه تجارة حقيقية بالدين، فالفقراء عليهم الصبر على الفقر لا على السرقة! عندما يركز الخطباء والشيوخ على فضل الزهد ويتوقفون عن الحديث عن فضل الطموح والسعي والكفاح في الحياة، فكأنهم يحدثون الفقراء بالبقاء على حالهم ونسيان نصيبهم في الدنيا مقابل الحصول على نصيب الآخرة كاملاً! نعم سيحصل الفقراء على أجر صبرهم في الآخرة، ولكن لِم لا تعطونهم أيضاً حقهم المسلوب في الدنيا؟ لماذا تدفع الأنظمة الخطباء إلى مناداة الفقراء بالصبر على فقرهم بينما تبلغ مرتبات أفراد النظام وخطبائهم عنان السماء؟ لماذا لا تحرقون أموالكم أو تعطوهم إياها إذا كانت فعلاً ستؤدي بكم إلى الجحيم وسيؤدي فقر الفقراء بهم إلى الجنة؟ حثنا الله على الزهد والصبر، وكذلك حثنا على أمور أخرى لا يحدثنا عنها شيوخنا، كقول كلمة الحق في وجه السلاطين، وكالدفاع عنه والتمسك به، وكذلك لا يحدثوننا عن سعي الصحابة في الزرق، وعن كفاح عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- عندما دخل المدينة فقيراً تاركاً لكل أمواله بمكة، ثم تحول مرة ثانية لتاجر واسع الصيت غني الجيب بسعيه وكفاحه. إن الحصول على المال الحلال أمر جميل ولذيذ، ومحاربة من يضعون الحوائل والعوائق التعليمية والصحية والاقتصادية للناس من أجل التمتع المؤقت بالمال الحرام الزائل هو عقابهم الطبيعي في الدنيا، تماماً كما سيذيقهم الله عذاب ناره في الآخرة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.