السَّعادةُ مَفهومٌ حَيَّرَ العُلمَاءَ، وجَنَّن الشُّعرَاءَ، ودَوَّخ الأُدبَاءَ، وأَربَكَ الفَلَاسِفَةَ والحُكمَاءَ.. كُلٌّ يَدلي بدَلوه، وهَذا مِن حَقِّه، لأنَّ السَّعَادَة -مِن وِجهة نَظَر العَرفج- هي تَجربة شَخصيَّة، مِثل دخُولك في البَحر، فإذَا رَجعتَ، ستَتحدَّث عَمَّا وَجدته، وشَاهدته، وشَعرت بِهِ أثنَاء رِحلتك البَحريَّة.. وهَكذا تَبدو السَّعادَة مِنكَ وإليك، تَجربة شَخصيَّة لَا يُمكن تَعميمها عَلى الآخرين..! إذَا وَرَدَت السَّعَادَة عِند أَيِّ عَربيٍّ، سيَستَشهد مُبَاشرة ببَيتٍ شِعري لـ»الحَطيئة»، الذي كَان مِن أَتعَس النَّاس، ولَم تَنفعه فَلسفته في تَفسير السَّعَادَة حِين قَال: ولَستُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْع مَالٍ ولَكنَّ التَّقيَّ هو السَّعيدُ نَعم، الدِّين مِن أسبَاب السَّعَادَة، ولَكن لَيس كُلّ المُتديّنين سُعدَاء في الدُّنيَا، وقَد يَكون الإنسَان في الحيَاة سَعيدًا؛ مِن غَير دِين، فبَعض المَلَاحدة كَانوا في سَعَادتهم الدُّنيويَّة أغنيَاء، ويَتبَاهون بذَلك..! هُنَاك مَثَل مَغربي يَربط السَّعَادَة بالأزمنَة، وهو مَثَل جَدير بالتَّأمُّل، فالسَّعَادَة -حَسَب المَثَل المَغربي- مُقسَّمَة إلَى أَزمنَة: زَمن الأَكل، وزَمن السَّفَر، وزَمَن الزَّوَاج، وزَمَن الدِّين.. يَقول هَذا المَثَل: (أَتريد أَنْ تَكون سَعيدًا يَومًا وَاحِدًا؟ كُل لَذيذًا. أُتريد أَنْ تَكون سَعيدًا أسبُوعًا؟ سَافر. أَتريد أنْ تَكون سَعيدًا شَهرًا؟ تَزوَّج. أَتريد أَنْ تَكون سَعيدًا مَدَى الحيَاة؟ عَليك بالدِّين)..! إنَّ الدِّين فِعلاً مِن مَصَادر السَّعادة، ولَكن الدِّين بجَانبه الإيجَابي المُشرق، الذي يَقول لَك: إنَّ اللهَ رَحمة، وإنَّ الله مَحبة، وإنَّ الله جَميل يُحب الجَمَال، وإنَّ اللهَ يُعطي مَن يَشَاء بغَير حِسَاب، وهَذه كُلَّها لَيست خَاصَّة بدِين مُعيَّن، بَل هي مِيزَة لكُلِّ مَن يَعتَقد أنَّ دِينه هو الصَّحيح، وفي ذَلك يَقول الأُستَاذ «أحمد عابدين» في كِتَابه «فَنّ الاستمتَاع بالحيَاة»: (لقَد اتَّفق جَميع الأُدبَاء والحُكمَاء؛ الذين تَحدَّثوا عَن السَّعَادَة، عَلَى أَنَّ الإيمَان بالله هو أَعذَب مَوارد السَّعَادَة، وأنَّ الاتِّصال بالله -عَزَّ وجَلَّ- واللُّجوء إليهِ، مِن أَهم أسبَاب انشرَاح الصَّدر، وأَنَّ الإنسَان لَن يَتذوَّق السَّعَادَة الحَقيقيَّة؛ إلاَّ مِن يَنَابيع الإيمَان بالله)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نَقول: أيُّها النَّاس، لَا تَعتقدوا أنَّ السَّعَادة وَصفة جَاهِزَة، أَو نَصيحَة يُمكن أَنْ تَأخذوها عَن هَذا الأَديب أَو ذَاك، بَل هي وَصفَة يُنتجها الإنسَان لنَفسه، وهي استعدَاد نَفسي قَبل أَنْ تَكون شَيئًا مَاديًّا، لذَلك ابحثَوا عَن سَعَادتكم، حَتَّى ولَو في الصِّين، ولَا تَستعجلوا فُرص اكتسَاب السَّعَادَة، لأنَّ الفُرَص لَا تَأتي إلاَّ لمَن يَكون مُستعدًّا لَهَا..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com