مساء الأحد الماضي أطلقت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بوابة «طاقات»، والهدف منها إيجاد منصة افتراضية مفتوحة للعرض والطلب في سوق العمل. الباحثون عن العمل يأتون إلى هذه المنصة ليعرضوا حاجتهم للعمل ومتاح لهم الفرص الوظيفية التي لدى القطاع الخاص. الجديد أن أصحاب الأعمال يفترض الآن، بقوة النظام، أن يأتوا إلى هذه السوق للبحث عن الموارد البشرية التي يحتاجونها لمنشآتهم، وإذا تأكد عدم وجود المناسب لهم من الموارد البشرية، عندئذ يحق لهم طلب التأشيرات من الخارج. هذه المبادرة من وزارة العمل، لن تكون بدون سلبيات وسوف تعيد النقاش حول توطين الوظائف. هنا سيهمنا إبراز الإيجابيات للبناء عليها، ومن إيجابيات المبادرة الجديدة إيجاد (قاعدة بيانات) وطنية ثرية بالمعلومات المحدثة والمدققة لسوق العمل بحيث تعكس جميع جوانبه، وهذه افتقدناها في السنوات الماضية، وربما كان هذا من أسباب تعثر القرارات الوطنية لإصلاح الخلل في السوق. وزير العمل السابق الدكتور غازي القصيبي، يرحمه الله، سعى لإيجاد ما قد يكون البذرة الأولى لمبادرة «طاقات». عندما كنت في جريدة الاقتصادية بعثنا إلى الوزير الراحل الكبير نخبره عن رغبتنا في إصدار ملحق أسبوعي عن العمل وقضاياه. كعادته مع من يطلبه أو يكاتبه، استجاب سريعا مثمنا الفكرة، وأبدى رغبة الوزارة في تضمين الملحق قائمة بيانات تجمعها دوريا عن العرض والطلب في السوق. بدأنا نشر الملحق متضمنا صفحتين، واحدة للباحثين عن العمل من شبابنا والأخرى خصصت للوظائف الشاغرة لدى القطاع الخاص، وفوق هذا أضاف أبا سهيل للملحق زاوية يكتبها خصيصا لهذا الإصدار، وكان المقال إضافة متميزة حمل أفكار وتصورات الراحل الكبير عن العمل وقضاياه وأعطاه الكثير والجميل من روح الأدب والشعر وخبرة رجل الدولة. تلك المبادرة قبل سنوات كانت خطوة إيجابية من وزارة العمل لإثراء القرارات الحكومية مع السعودة، وربما لم تكن كافية. طبعا تغير الوضع الآن، ففي السنوات الأربع الماضية أطلقت الحكومة حزمة إجراءات ومبادرات لتطوير سوق العمل ولخفض البطالة. مبادرة «طاقات» الجديدة سوف نلمس ثمارها سريعا، بالذات لمعرفة الواقع الحقيقي للبطالة ولمعرفة قدرة الاقتصاد الوطني على توليد الوظائف ولمعرفة حجم وقدرة كل قطاع، وهذا يساعد مُتَّخِذ القرار الوطني على كفاءة الإدارة وعلى توجيه الدعم والتسهيلات الذكية لتنمية وتحفيز القطاعات المولدة للوظائف في الاقتصاد الوطني بناء على اعتبارات موضوعية تخدم الأهداف الإستراتيجية لرؤية المملكة 2030. المهم دعم المبادرة والبناء عليها وعدم التحايل عليها، فقد تعودنا المقاومة السلبية لأية مبادرات لتطوير وإصلاح قطاع العمل، ولا نجزم أن الوزارة قدمت حلا مثاليا خاليا من الأخطاء أو القصور، المهم أن نتشارك في معالجة الخلل، وأن نكون جزءا من الحل مع الحكومة. هذه ليست مواعظ، العمل بالنسبة لنا قضية وطنية مصيرية والتضحية من الجميع لأجلها ضروري وواجب وطني، ومواجهة البطالة تحتاج الحلول العملية والمبادرات الإنسانية والأخلاقية، وأعتقد جازما أن القطاع الخاص لديه الرغبة لدعم جهود توطين الوظائف. فقط نحتاج الآليات الحكومية الموضوعية التي توازن بين المصالح وتقف عند الطرف الأضعف بالذات عندما تكون المصلحة العامة لبلادنا واضحة ولها الأولوية، كما هو حالنا الآن مع سوق العمل.