ما هي العلاقة بين «الحرية» والفن التشكيلي؟ وهل هناك حدود لهذه الحرية؟ وكيف يمارس الفنان الحرية في لوحاته؟ وهل الفن التجريدي هو أسلوب للهروب من الواقعية؟ تشكيليون يرون أن «التجريد» قادر، رغم عدم ارتباطه بشيء موضوعي، على إثارة المشاعر والوجدان بطريقة أكثر صفاء وأكبر مباشرة، وآخرون يرون أنه فن الهروب من الواقعية، وفئة ثالثة ترى أنه يؤكد حرية الشكل تخلصا من القيود التقليدية، مؤكدين أن ثمة ثوابت للدين والقيم الإنسانية لا يجب على المبدع الاقتراب منها بـ «الحرية»، مشددين على أهمية عدم تعارض حرية المبدع مع قيم وأسس المجتمع وإلا تحول إلى فوضى. ويؤكد نقاد أن الفن التشكيلي السعودي، الذي يمتد لأكثر من 50 عاما، يتميز بمساحة من الحرية في الفنون البصرية التي تعطي المساحة من التعبير عن تأثرهم بالمدارس العالمية، ومزجها بالخيال المستمد من التراث دون أن يتهموا بـ «الجمود» أو يوصموا بـ«التغريب». يوضح هشام بنجابي أنه: (أي الفن التشكيلي السعودي) كونه فنا محافظا لا يعني أنه محاط بقيود، بل يتمتع بحرية كبيرة، فالفن يتميز بصدقه وبساطته وارتباطه بالتراث المحلي والبيئة السعودية التي يستوحي أعماله منها، نظرا لخصوصية المجتمع السعودي الذي بدأت فيه الرسالة المحمدية وانتشر منه الإسلام إلى البشرية كلها. وأضاف: الفن السعودي فن محافظ يبتعد عن الأشياء الدخيلة والغريبة التي لا تتناسب مع عادات وتقاليد مجتمعاتنا الشرقية والعربية، مشيرا إلى أن الفن التشكيلي السعودي كأي حركة تشكيلية نشطة في العالم العربي له خصوصيته ولكن لكل فنان أسلوب خاص به وهناك بعض الفنانين يتأثرون بالمدارس الغربية ولكن يظل للفنان العربي لون خاص له علاقة وحميمية وخصوصية المكان والبيئة العربية. ويؤكد الفنان طه صبان أن سقف الحرية التي يتمتع بها الفنان السعودي تزداد يوما بعد يوم ولكنه يرى أنه من الطبيعي أن يقابل هذه الحرية التزام داخلي من الفنان تحكمه عاداته وتقاليده، فيما يعتقد التشكيلي زهير مليباري أن ثمة قيمة جديدة ينشدها الفنان السعودي في أعماله التشكيلية تبرز أحيانا في انطلاقة بصرية تترجم عناصرها في العمل الفني بكل تحرر وانطلاق، لإظهار بعد فني جديد، وإخراجه من صرامة القواعد والأسس الأكاديمية التقليدية، إلى رحاب أوسع ومجال أفضل للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر التي يشترك بها مع سائر مجتمعه، مشدداً على أن الفن رسالة واضحة لا تحتاج إلى الترجمة لنقل الحضارة السعودية وإلى أي مدى وصل عمقها الفكري والجمالي. من جانبها، تؤكد الفنانة التشكيلية سلوى الرفاعي أهمية وجود القيم والمثل عند أي مبدع، موضحة أن الفن هو ممارسة أقصى مستويات الحرية بكل مضامينها الإنسانية والأخلاقية، موضحة أن «الحرية» فكر يتحرر من قيود الرتابة في التشكيل، كما تساعده على إخراج توتراته وقلقه وضيقه الفكري، ويظل هاجس التعبير عن الحرية هو أسلوب الفنان التشكيلي. وأوضحت أن لغة التواصل بين المتلقي واللوحة تختلف باختلاف المدارس الفنية المطروحة ودرجة ثقافة كل من الفنان والمتلقي، وبراعة كل منهما في أن يكون فاعلا وموصلا، مستشهدة بقول إرنست فيشر في كتابه «ضرورة الفن»: الفن يمثل قدرة الإنسان غير المحدودة على الالتقاء بالآخرين وعلى تبادل الرأي والتجربة معهم»، معربة عن أسفها للإحباطات التي تواجه المثقف واعتبرتها كافية لتفجير كل حس مأساوي يختزله الفنان ويصوره. أما الفنان والناقد التشكيلي عز الدين نجيب، فيوضح أن الحرية هي أم الفن، والخيال والده، والإبداع ابنه، والمبدع هو الذي يشتغل في المنطقة المسكوت عنها، فيكون كاشفا للآفاق، غائرا في الأعماق، مضيفا أن «الحرية والإبداع وجهان لعملة واحدة، لكن المشكلة تكمن في الالتزام، وأن هذه المساحة الواسعة من الحرية سوف تصطدم بحرية المجتمع، مبينا أن الحل هو إيجاد «هوية» كمشترك للمتلقي والمبدع معا، وكلما زادت المساحة المشتركة بين الاثنين يخرج الإبداع مرتبطا بقيمة الصدق الفني الذي هو ابن وفيّ للقيم الإنسانية».