قبل عقد من الزمن فقط كان اهتمام مجتمعنا بنشرة الأحوال الجوية لا يتعدى كونها تابعا تعقب نشرة الأخبار مساءً ليس إلا، ولكن ومع انتشار التطبيقات الحديثة في الأجهزة الذكية، ووضع أجهزة الحرارة في السيارات مع ما رافق ذلك من ارتفاعات في درجات الحرارة وتقلبات غير مسبوقة في أجوائنا، انتقل موضوع متابعة الطقس من شيء ثانوي إلى ثقافة يومية للمجتمع، بل ان نشر صور لدرجات الحرارة ورصد وتصوير موجات الغبار وبثها عبر السناب شات لحظة بلحظة غدت ظاهرة شبابية متزايدة لاهتمام الناس بها. تطورات د. مازن ابراهيم عسيري -أستاذ الطقس والمناخ بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة- استرجع كيف أن الناس كانوا في الماضي تقتصر متابعتهم على النشرة الجوية بعد أخبار المساء في التلفزيون، وكان جل الاهتمام حول حالة الطقس المتوقعة، ثم تطورت متابعة المجتمع بدخول الشبكة العنكبوتية وظهور العديد من المواقع التي تهتم بالطقس، وأصبح الفرد حينها أكثر وعياً ليبحث عن المواقع الموثوق بها، حاليا أصبحت المتابعة أكثر بانتشار المواقع الالكترونية والتطبيقات الخاصة بالهاتف النقال، وتجلت لدى أفراد المجتمع أهمية متابعة التغيرات الجوية بعد حدوث العديد من الظواهر الجوية العنيفة كالحالة المطرية التي حدثت في جدة عام ٢٠٠٩. وأكد د. عسيري أن لارتفاع الوعي الثقافي تأثيرا على متابعة أحوال الطقس، كما ان مستوى الوعي بالتقلبات الجوية وخاصة الظواهر الجوية الحادة (مثل موجات الحر الشديدة) يحث المجتمع على المتابعة الدقيقة للتوقعات الجوية لتعود عليهم بالفائدة سواء باتخاذ الحيطة والحذر أو بتخطيط الأنشطة المختلفة، مضيفا على سبيل المثال عند التوقع بهطول أمطار وشدتها على منطقة معينة تكون الفرصة جيدة للفرد بالتخطيط لنزهة برية أو البقاء في المنزل. فوائد معرفة الأحوال الجوية وأشار الى أهمية متابعة التقلبات الجوية لافتا انها تمنح الفرد التعامل مع تلك التقلبات والتخطيط لذلك مسبقا، فعلى سبيل المثال التوقعات الجوية بالعواصف الترابية تحمي مرضى الجهاز التنفسي - بعد الله سبحانه وتعالى - من التعرض للازمات التنفسية وذلك باتخاذ الاحتياطات اللازمة قبل هبوب العاصفة، والحمد لله متابعة توقعات الطقس في المجتمع أكثر من الماضي لكن نحتاج إلى تكثيف الجهود التوعوية لنصل إلى الاستفادة المثلى من المعلومات الخاصة بذلك، مردفا انه يجب التنويه إلى أهمية تأصيل الوعي بالتنبؤات الجوية والتعامل مع الظروف الجوية لدى النشء. واضاف ان معرفة الطقس الحالي والمتوقع مستقبلا وكذلك المناخ وتغيراته مهمة لمجالات عدة مثل الاقتصاد والصحة والنقل وغيرها، فهذه المعلومات تدعم اتخاذ القرار بما يتناسب مع متطلبات المجتمع أو المتطلبات الوطنية، وأقصد القرارات الآنية مثل إيقاف حركة الطيران أو التحذير من النزول لبطون الأودية والقرارات الإستراتيجية مثل تخطيط المدن أو زيادة الغطاء النباتي بدعم المناطق الزراعية. واكد أن المعنيين في المقام الأول بالتوقعات الجوية والمناخ هم المتخصصون في مجال الأرصاد الجوية ثم تأتي التخصصات الأخرى وكذلك الهواة. أما فيما يخص الاختلاف حول التنبؤات الجوية فهذا يعود إلى الاجتهادات الشخصية والخلفية العلمية، لافتا أن منطقتنا تحتاج إلى الكثير من الدراسات العلمية لتطوير نماذج التوقعات الجوية لإنتاج توقعات دقيقة والمساهمة في اتخاذ القرار سواء على المستوى الشخصي أو الوطني، مضيفا بأن التوقعات الجوية تعتمد في المقام الأول على الحسابات العددية الدقيقة وتوفر الراصدات الدقيقة لحالة الغلاف الجوي عن طريق محطات الرصد والوسائل العلمية الأخرى، ولكي نصل إلى توقعات دقيقة لابد من الإسهاب في البحوث العلمية الخاصة بالطقس والمناخ وتوظيف نتائجها في النماذج العددية الخاصة بالتنبؤ على منطقتنا. وعي عام وقال سلمان آل رمضان - باحث فلكي- ان متابعة أحوال الطقس حالة ملفتة للنظر بشكل كبير في السنوات الماضية، وربما حدوث السيول في المملكة وما نتج عنها من حوادث أمر زاد الاهتمام أكثر، كما أن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية ووجود تطبيقات لمواقع متخصصة بالأرصاد ومحدثة تلقائياً زاد من المتابعة، فأصبح الناس ينشرون صور درجات الحرارة من سياراتهم أو من مواقع العمل أو التقاط صور للسحب أو منظر يدل على شدة الحر صيفا، بل ان بعض الأرصاد الحكومية في بعض الدول طورت لها تطبيقات خاصة بمتابعة أحوال الطقس. واعتبر أن معرفة الأحوال الجوية بات أمراً مهماً للناس في الخروج للرحلات البرية أو ركوب البحر والانتقال في المسافات الطويلة، الأمر الذي دفع منظمة الأرصاد العالمية لعنونة احتفالها في احدى السنوات بتشجيع الشباب على تعلم الأحوال الجوية وارسال التحذيرات، مشيدا بهيئة الأرصاد السعودية وتنظيمها لملتقى لهواة الطقس واعتبار رئيسها أن الدور بينها وبين الهواة تكاملي في تثقيف الناس متمنيا على الناس خاصة في أيام تكون هناك توقعات بحالات جوية تستوجب التحذير عدم نقل اشاعات وتحذيرات غير موثوقة أو لا مصدر لها. الارصاد والفلك ولفت الباحث الفلكي آل رمضان أنه وحين التحدث عن الأرصاد والأحوال الجوية فعلينا التفريق بين علم الفلك وعلم الأرصاد، فالأول مجاله خارج الغلاف الجوي، فيما الآخر داخل الغلاف الجوي، ولا يعني هذا عدم وجود تداخل بينهما فكل منهما يحتاج الآخر ولكل منهما محبوه وهواته ومن يهتم به، متابعا في علم الفلك نجد الأرصاد حاضرا في تراثه المحلي في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام بما فيها العراق وصحراء الأردن، بل ووجدته حتى في المغرب من خلال الأنواء التي تعنى بالأرصاد كما يعرف أهل الخليج حساب الدرور، وهو يعتني بأحوال الطقس وعلاقة سكان الخليج مع البحر في زمن الصيد والغوص والسفر للتجارة، وعزا التباين الذي يحدث بين محللي أحوال الطقس إلى عدم قدرة البعض على قراءة خرائط الطقس بصورة صحيحة، كما أن عوامل الطقس متغيرة بشكل سريع أحيانا. واشار د.عبدالوهاب سليمان محمد مشاط - أستاذ الأرصاد الجوية والاستشعار عن بعد في قسم الأرصاد بجامعة الملك عبدالعزيز - الى ان الاهتمام بالتغيرات الجوية المستقبلية لكونها تؤثر على عمله وحركته وصحته، موضحا سبب التباين بين توقعات الفلكيين وعلماء الأرصاد الجوية للأحوال الجوية، مبيناً أن الفلكيين يستخدمون البيانات المناخية السابقة للتنبؤ بحالة الطقس المستقبلية، في حين أن علماء الأرصاد الجوية يتوقعون حالة الطقس المستقبلية باستخدام النماذج العددية وهي معادلات فيزيائية لحركة الهواء في الغلاف الجوي، ويتطلب لحل هذه المعادلات حواسيب فائقة السرعة، وقد وفرت جامعة الملك عبدالعزيز حاسبا فائق السرعة (عزيز) الذي يعتبر ثاني أكبر حاسوب على مستوى الجامعات العربية يستخدم من قبل علماء الأرصاد الجوية بقسم الأرصاد بالجامعة. علاقة تكاملية وأوضح ملهم محمد هندي -عضو الاتحاد العربي لعلوم الفلك والفضاء - أن علاقة علم الفلك بعلم الأحوال الجوية علاقة تكاملية وليست مباشرة، فالظواهر الفلكية تؤثر بشكل غير مباشر على الأحوال الجوية، ولعل علم فيزياء الشمس الذي عاد له العلماء للبحث فيه من جديد أثبت هذا الارتباط بين ما يحدث على الشمس والمناخ على الأرض، ولكن هذا الأثر غير مباشر اي لا يعني حدوث انفجار شمسي ارتفاعا لدرجات الحرارة مباشرة على الأرض، ولكن قد تؤدي مئات الانفجارات الشمسية خلال سنوات لتأثر على ملامح جوية بشكل نسبي وبسيط. ووصف تدخل الفلكيين في أحول الطقس أو العكس بأنه اجتهاد غير محمود، موضحاً أن ما يغيب من تفاصيل فلكية عن متخصصي الطقس قد يغيب أيضا تفاصيل مناخية عن متخصصي الفلك، وبذلك يكون التدخل بين الاثنين تدخلا سلبيا في الجانبين، محذرا من الخلط الذي يقدم عليه البعض بين ما يسمى بالأنواء وعلم الفلك، فصحيح أن الأنواء يتم استخدام النجوم ومنازلها إلا أن هذا الاستخدام للتوقيت وليس له علاقة بين النجوم والأجواء فاستخدام النجوم كمواقيت أو كعلامات لتغير أحوال الطقس هو معرفة بمظاهر المناخ وليس لمعرفة تفاصيل حالة الطقس. الطقس والسياحة ورأى م. زكي الجوهر أن المجتمع أصبح يبحث عن الطقس قبل أن يقوم بالسياحة سواء الداخلية أو الخارجية، كما أن له الدور الكبير في تحركاته داخل مدينته في النهار والليل، ليستطيع التكيف مع صعود درجات الحرارة او التنبيه المسبق للأمطار وغزارتها، معتبرا ان حالة الوعي بأحوال الطقس والتنبيهات التي تصدر من الجهات خفضت أعداد حوادث المرور أثناء سقوط الأمطار أو التنبيه لوصول درجات الحرارة لدرجات مرتفعة. الأجهزة الذكية واعتبر جعفر عمران -إعلامي- أن توفر الأجهزة الذكية وإمكانية الاطلاع على أحوال الطقس بيسر وسهولة ساعد على زيادة الوعي والاهتمام بأحوال الطقس، فأصبح الإنسان يعرف أحوال الطقس لعدة أيام مقبلة، وبذلك أصبح يخطط جدول رحلاته، ومناسباته، وحتى ربة المنزل أخذت احتياطاتها داخل المنزل وخارجه بأعمالها اليومية عبر متابعة أحوال الطقس، مضيفا أعتقد أن الجانب الصحي له التأثير الأكبر خاصة لدى مرضى الربو والصدر والحساسية، فأصبح الوالدان يتابعان حالات الطقس لرعاية أبنائهما المرضى، وكذلك المريض نفسه بدأ يأخذ احتياطاته للحفاظ على صحته. د.إبراهيم عسيري د. عبدالوهاب مشاط ملهم هندي سلمان آل رمضان جعفر عمران زكي الجوهر متابعة الأحوال الجوية أصبحت محل اهتمام متقدم لدى الكثيرين