نشأت التجمعات السكانية في المدن الخليجية على ساحل البحر، وارتبط الكثير من الأهالي بحرف ومهن لها علاقة به، كالصيد والغوص على اللؤلؤ، والتجارة مع البلدان المجاورة ، حيث كانت المرافئ في هذه المدن منطلقاً لهذه التجارة، جالبة إليها البضائع من الخارج ومصدرة ما تيسر، يومها، من منتجات محلية. بنظرة على التاريخ القريب، بين بدايات ومنتصف القرن العشرين، نجد أن سكان الكويت والمنامة وأبوظبي ودبي والشارقة ومسقط وسواها من مدن الخليج الساحلية إنما تمركزوا حول تلك السواحل، وكان محيط هذه المدن خلاء غير مسكون، قريباً في بعض أوجهه من الصحراء، حتى لو لم يكن صحراء بالمعنى الدقيق. وهذا لا ينفي بطبيعة الحال أنه كانت هناك تجمعات زراعية خارج المدن، في القرى والبلدات التي كانت تبدو بعيدة مع انعدام الطرق ووسائل المواصلات الحديثة، ما شكّل نوعاً من القطيعة بين المدينة/ المركز وبين الأطراف. لكن ما كان حتى الأمس القريب خلاء، غدا اليوم مدناً عامرة تضج بالحياة وبالأنشطة الاقتصادية والتجارية المختلفة، ومركز استقطاب للمصارف والمؤسسات المالية والشركات الأجنبية، أي أن نواة المدينة الصغيرة الملاصقة للسواحل توسعت وكبرت وامتدت أفقياً وعمودياً. نحن لا نتحدث عن مدن جديدة بالضرورة، فالمنامة هي المنامة، ومسقط هي مسقط، ودبي هي دبي، لكنها في عين الوقت تغيرت في الشكل وازدادت في المساحة أضعاف المرات، وما زالت ماضية في هذا التوسع حين يبلغ العمران مناطق جديدة لم تكن مأهولة، وإن ضاقت اليابسة على هذا التوسع يتم اللجوء إلى ردم مساحات من البحر لاستيعاب هذا التوسع، على نحو ما هو جارٍ في المنامة والمحرق في البحرين على سبيل المثال. نتيجة هذا التوسع نزح السكان إلى المناطق السكنية الحديثة التي تتوافر على بنية تحتية متطورة من شوارع وحدائق ومراكز تسوق ضخمة ومرافق وأنظمة صرف صحي وغيرها، فيما تكاد وظيفة المركز الذي كان فيما مضى هو المدينة ذاتها بكافة وظائفها، بما فيها السكنية، تصبح اقتصادية ومركزاً للأعمال والوزارات والإدارات الحكومية فحسب. في كلمات أخرى، صار من الصعب اليوم تحديد أين هو المركز أو القلب في المدينة الخليجية، إذا دار الحديث عن مناطق التجمع السكاني. صحيح أنه بوسعنا أن نتحدث عن المركز الاقتصادي، ولكن الاقتصاد، على أهميته ومحوريته، هو وظيفة واحدة من وظائف المدينة الحديثة التي هي منظومة متكاملة من الوظائف. هذه المتغيرات تضع الباحث في الديموغرافيا السكانية في مدننا أمام صعوبة التقسيم التقليدي بين المدينة والريف، أو بين المركز والأطراف، فلم يعد سهلاً تحديد أين تبدأ المدينة وأين تنتهي. د. حسن مدن madanbahrain@gmail.com