يوم الجمعة يوم مشهود عند المسلمين، وهو رمز إسلامي يمثل عيدهم الأسبوعي، وقد ورد فضله في الحديث الشريف، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها)، والملاحظ في السنوات الأخيرة مع ظهور ما يسمى بالربيع العربي درجت الشعوب في البلاد العربية على التجمهر والتظاهر والاحتجاج في أيام الجمعة من كل أسبوع وأصبحت هناك مسميات خاصة بها مثل: (جمعة الغضب، جمعة الأرض، جمعة الرحيل)، وأضيف عليها جمعة الشغب وجمعة أسوأ منقلب، والمتابع الجيد سيعرف السبب الرئيس لاختيار يوم الجمعة للمظاهرات في الميادين الكبيرة في العواصم العربية والإسلامية. مساء الجمعة 15 يوليو 2016 اعترض عدد من أفراد الجيش التركي الطريق، وأغلقوا جسر البوسفور الواقع بين شقي تركيا (الأوروبي والآسيوي)، ومجموعة انقلابية أخرى سيطرت على المطار الدولي، وجماعة ثالثة سيطرت على قناة البث الرسمي وارتبك المشهد في تركيا، وأعلنت المذيعة تحت تهديد السلاح بيان الانقلابيين عن تولي السلطة في البلاد، وعلى الفور أعلن رئيس الوزراء التركي أن هناك محاولة انقلاب على السلطة، وتلقفت الخبر وسائل الإعلام ووكالات الأنباء المختلفة. وسائل التواصل الاجتماعي التي أسقطت حكومات كانت حاضرة بقوة فلجأ إليها الرئيس التركي وتحدث عن طريق أحد برامج التكنولوجيا الحديثة، ودعا أبناء شعبه للنزول إلى الشوارع والميادين والمطارات رفضا للانقلاب العسكري، للمحافظة على مقدرات الشعب، فكان ذلك الالتفاف الشعبي والسياسي أهم المراحل المفصلية في بقاء تركيا الديمقراطية على قيد الحياة، وإن شكك بعض المراقبين بأن الانقلاب ربما يكون مسرحية، لكن الحقيقة تكمن في التفاف الشعب ونزوله للميادين والشوارع والساحات وتعاون معهم جميع الأحزاب والتيارات بما فيها قوى المعارضة رافضة الانقلاب ومحافظة على كيانها وحكومتها المنتخبة فهل هذا النص ضمن المسرحية؟ أم إنه خروج عن النص ليثبت الشعب أنه قادر على عمل التوازنات، وقادر على صنع المعجزات، وقادر على إدارة البلاد، والمحافظة على الإنجازات والمقدرات. احترام الشرعية واجب وطني في كل بلاد الدنيا، فالحكومة التي يأتي بها الصندوق لن تذهب إلا بالصندوق، والذين يقارنون بين الانقلابيين في كل من تركيا ومصر عليهم أن يدققوا في الأحداث، فالمتابع للأوضاع السياسية يعرف أسرار الشعوب، وسيجد أن غالبية الشعب التركي استجاب لنداء الرئيس ليس من أجل أردوغان، بل لأن الشعب يريد الدفاع عن ديمقراطيته، فنزل للساحات والميادين، وأفشل الانقلاب العسكري ليحافظ على استقرار بلاده، وفي مصر لم يستجب الشعب لنداء مرسي بل نزل محتجا ليصحح المسار الوطني فنجح الانقلاب، وأقيل مرسي بصوت الشعب، وجاء الصندوق بالسيسي، ومتى أراد الشعب فهو على استعداد تام لإبعاده، فالسر الأعظم يكمن في الشعوب التي تدافع عن حقوقها وتعي مصالح أوطانها.