من الطبيعي أن تتعثر عملية السلام -رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للتوصل إلى اتفاق إطار ينهي النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ويؤدي إلى تحقيق فكرة حل الدولتين على أرض الواقع- طالما أن المستوطنين والصهاينة المتطرفين هم، وفق ما تضمنه هذا المقال، الحكام الحقيقيون لإسرائيل . ويستند هذا المقال الذي يحمل عنوان: «انهيار أسطورة إسرائيل» للكاتب الأمريكي كريس هيدجيز الحائز على عدة جوائز بينها بوليتزر، ومؤلف بعض الكتب الأكثر مبيعا ومن بينها «امبراطورية الوهم» و»ايام الدمار ايام الثورة» وكذلك كتابه «الحرب التي تعطي أمريكا المعنى» أما مقاله الذي نعرضه هنا فقد نشر مؤخرًا على الموقع الالكتروني «أرشيف الاحتلال الإسرائيلي» على كتاب «جالوت: الحياة والكراهية في إسرائيل الكبرى» الصادر في نوفمبر 2013. إسرائيل بلا أقنعة يقول هيدجز: تكشف الحقيقة التي تتأكد على أرض الواقع بأن إسرائيل ظلت تستخدم بشكل روتيني القوة المميتة ضد المدنيين العزل، بما في ذلك الأطفال، لسرقة نصف أراضي الضفة الغربية . وتنص تعليمات جيش الدفاع الإسرائيلي بأن الجنود بإمكانهم إطلاق النار على أي فلسطيني تخطى الثانية عشرة من عمره وفق ما ذكره أحد الجنود القناصة لمراسلة «هآرتس» أميرة هاس عام 2004 عندما كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في ذروتها. وتعتبر إسرائيل الدولة الوحيدة التي تعيش حالة طوارئ بشكل دائم منذ الإعلان عن قيامها عام 1948. وقد بلغ عدد الفلسطينيين الذين اعتقلتهم منذ العام 67 حوالى 750 ألف معتقل من بينهم 10 آلاف امرأة . وهي تحتفظ في المتوسط بـ 4500 معتقل في سجونها بشكل دائم من بينهم 200 طفل، و322 معتقلا بدون تهم. ظلت إسرائيل مسكونة منذ إقامتها بعقدة الحرب الدائمة، وأفلست أخلاقيًا منذ استغلالها الهولوكوست لإضفاء القدسية على ممارساتها الوحشية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني لتبرير الاحتلال الذي يفوق ممارسات حكومة بريتوريا العنصرية . أما مباهاتها بالديمقراطية، فقد اقتصر ذلك على مواطنيها اليهود، وحتى تلك الديمقراطية اختطفت من قبل المتطرفين الذين يدفعون إسرائيل الآن نحو الفاشية، وهو ما دفع أعدادًا كبيرة من اليهود المستنيرين والمتعلمين إلى مغادرة البلاد. ويقسم عضو الكنيست الفلسطيني العربي أحمد الطيبي «الديمقراطية» في إسرائيل إلى 3 أنواع، الأولى تشمل حوالى 80% من السكان مخصصة لليهود، وهو يسميها «إثنوكراسي»، أو «جودوكراسي». والثانية يمكن تسميتها «تمييز عنصري» وتشمل الـ 20% الذين يمثلون عرب فلسطين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية . أما الثالثة فيمكن تسميتها بـ «الأبارتهايد» فتشمل سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن الواقع يثبت أنه حتى يهود إسرائيل لا يتمتعون بممارسة الديمقراطية بمفهومها الحقيقي. فالكثير من الكتاب والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان يتعرضون للاضطهاد من قبل حكومتهم، حتى أصبح جميع من يشجبون المسيرة المتسارعة لإسرائيل نحو الفاشية -بما في ذلك الأكاديميون الإسرائيليون- يتعرضون للهجوم من خلال حملات عدائية منظمة ويتهمون بأنهم ليسوا صهاينة بالقدر الكافي، وإنهم إرهابيون أو عملاء للإرهابيين، وهو ما دفع صحيفة هآرتس إلى القول بأن المستوطنين هم الحكومة الحقيقية لإسرائيل. ويصور المشهد الإسرائيلي الراهن حقيقة دولة إسرائيل حيث يتعرض العديد من نشطاء حقوق الإنسان والمثقفين والكتاب والصحفيين -إسرائيليين وفلسطينيين- الذين يتحلون بالشجاعة في المجاهرة بآرائهم للمراقبة الدائمة، والاعتقالات التعسفية وحملات التشهير التي تديرها الحكومة. وأصبح نظام التعليم بدءًا من المرحلة الابتدائية، آلة تلقين للجيش. وأوجد جشع وفساد النخبة السياسية والاقتصادية تفاوتًا كبيرًا في الدخل . لكن كل ما سبق لا يعدو كونه جزءا ضئيلا من ملامح الوجه البشع لإسرائيل، وتكشف الحقيقة أيضًا على أن القوانين العنصرية الجديدة التي اعتمدتها إسرائيل لا تختلف عن تلك التي سبق وأن دعا إليها المتطرف العنصري مائير كهانا، وعن أن معسكر اعتقال «صحارونيم» في صحراء النقب يعد أكبر مركز اعتقال في العالم. كذلك يسخر الواقع من كذبة الديمقراطية والانفتاح والنقاش الحر الذي تدعيه إسرائيل لنفسها، شاملًا ذلك الكنيست، الذي يعتبر ساحة للمساجلات العنصرية والتهديدات الجسدية. لكن بالرغم من ذلك، توجد قلة من الكتاب والمثقفين الذين لديهم الشجاعة الكافية لمواجهة هذا الواقع. والمثال على ذلك الكاتب والصحفي الأمريكي ماكس بلومنتال (كتابه، جالوت: الحياة والكراهية في إسرائيل الكبرى) الذي يعد أحد الكتب الأكثر جرأة وصدقية التي كتبت عن إسرائيل حتى الآن. مأساة القطاع يضم كتاب «جولياث» عدة مقالات صغيرة تظهر في مجموعها الصورة الحقيقية لإسرائيل . ففي الفصل الأول بعنوان «في الطريق إلى الذبح»، يستخدم بلومنتال معادلة رياضية للتعبير عن مأساة غزة بالقول إن مليون ونصف مليون فلسطيني المسجونين في أكبر سجن غير مسقوف في العالم لا يحصلون إلا على الحد الأدنى من السعرات الحرارية الذي يبقيهم على قيد الحياة. ويشير إلى عملية الرصاص المصبوب التي استغرقت 22 يومًا (بدءًا من 27/12/2008) استخدمت خلالها إسرائيل مقاتلاتها من طرازإف - 16، جنبًا إلى جنب مع الدبابات والمدفعية الثقيلة والقطع البحرية في قصف مدن وقرى القطاع بما أدى في نهاية تلك الحرب إلى سقوط 1400 ضحية غالبيتهم من المدنيين العزل بما في ذلك الأطفال. ويستطرد أن القنابل الفوسفورية وقنابل النابالم والقذائف الصاروخية أسفرت عن إصابة أعداد كبيرة من الأهالي بحروق خطيرة مؤكدًا أنه تم توثيق العديد من هذه الجرائم بما في ذلك إطلاق الجنود الإسرائيليين النار على مجموعة من النساء رغم حملهن للرايات البيضاء. وأظهرت إحدى تلك الوثائق أن الجنود الإسرائليين قاموا بالتدريب على الرماية على أحد الأطفال البالغ عمره 8 سنوات بعد قتله وفق ما ذكرت والدته لمخرج الأفلام الوثائقية جين مالرو الذي قام بتصوير هذا الطفل الذي مزق الرصاص جسده الغض . واعتبر الكاتب أن عملية الرصاص المصبوب ليست إلا حلقة في سلسلة المذابح الإسرائيلية التي تمارس ضد الفلسطينيين منذ عقود عدة، والتي أدت إلى موجة احتجاج لا تكاد تذكر في أوساط اليسار واليمين الإسرائيليين. ويستشهد بلومنتال حول المواقف الإسرائيلية اليهودية من عملية الرصاص المصبوب بمسح أجراه الطبيب النفساني من جامعة تل أبيب دانيال بار تال، خلص فيه في ضوء النتائج إلى أن الوعي الجماهيري لدى الإسرائيليين يتسم برغبة ملحة في إيذاء الفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم وعدم الاكتراث لمعاناتهم، إضافة إلى عقلية الحصار والوطنية العمياء. يستنتج هيدحيز في نهاية المطاف استنادًا إلى وثائق بلومنثال، أن عنصرية إسرائيل واضطهادها وتنكيلها بالفلسطينيين يجعل منها دولة فاشية مآلها الانهيار، وهو ما يؤكده دافيد لانداو رئيس تحرير «هآرتس» السابق الذي دعا إلى مقاطعة الكنيست للوقوف ضد موجة الفاشية التي اجتاحت المشروع الصهيوني . وما أكده أيضًا الصحفي والسياسي اليساري يوري أفنيري بقوله إن الفاشية أصبحت تهدد وجود إسرائيل.