الرباط: لطيفة العروسني استبق مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات المغربي، التظاهرة التي يعتزم أعضاء نادي القضاة تنظيمها أمام مقر وزارته في الرباط غدا (السبت) بتوجيه انتقادات لاذعة لهم. وقال إن تظاهر القضاة ببدلهم المهنية في الشارع يعد إهانة للقضاء ومسا بهيبته ووقاره. وأوضح الرميد، خلال لقاء صحافي عقده مساء أول من أمس لتوضيح موقف الوزارة من أسلوب التصعيد الذي انتهجه النادي، أنه وباسم رئيس الحكومة يعد مظاهرة القضاة «حدثا لا قيمة له»، مؤكدا في المقابل أن «باب الحوار لم ولن يغلق». وفي غضون تمسك نادي القضاة بالتظاهر بالبدل، انتقد بشدة «استعمال الإدارة القضائية أداة للتضييق على الحريات الأساسية للقضاة»، وعبر النادي في بيان أصدره أمس، ردا على اللقاء الصحافي الذي عقده الرميد، عن رفضه محاولات وزير العدل تقييم المبادرات والأنشطة التي يقررها النادي، وقال إن اجتماع وزارة العدل والحريات مع المسؤولين القضائيين لمناقشة المظاهرة المقررة من قبله «يشكل تجاوزا خطيرا لأدوار الإدارة القضائية»، معلنا «تمسكه بالضمانة الملكية لاستقلال السلطة القضائية»، وهو ما يؤشر على تصاعد درجة التوتر بين الطرفين وبلوغها طريقا مسدودا. وكان نادي القضاة الذي تأسس في أغسطس (آب) 2011 قد أعلن اعتزام أعضائه تنظيم وقفة احتجاج ببدلهم المهنية أمام مقر وزارة العدل، وذلك من أجل لائحة من المطالب تهدف، من وجهة نظرهم، إلى تعزيز استقلالية القضاء. وكان النادي قد انسحب من جلسات الحوار الوطني من أجل إصلاح منظومة العدالة التي أشرفت عليها وزارة العدل قبل عام، وانتهت بإصدار ميثاق وطني لإصلاح العدالة في البلاد صادق عليه العاهل المغربي الملك محمد السادس، واكتفى النادي بتقديم مقترحاته بيد أنه رفض مناقشتها مع الوزارة. وأصدر النادي ورقة تتضمن جميع المطالب التي يطالب بها من أجل «إقرار قوانين تنظيمية ضامنة لاستقلال حقيقي وفعلي للسلطة القضائية»، من بينها تخصيص تعويضات ومنافع منصفة وملائمة لمكانة القضاة، مع النص على ضرورة مراجعتها دوريا، كما يطالبون بضرورة إيقاف البت في جميع المتابعات التأديبية، إلى حين تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بالإضافة إلى تكريس حرية القضاة في التعبير، ورفع كل القيود عنها. وفي هذا السياق، قال وزير العدل إن تظاهر القضاة ببدلهم ممنوع قانونا ولا يمكن السماح به، فالقانون ينص على أن ارتداء القضاة لبدلهم يقتصر على الجلسات داخل المحاكم، وأثناء استقبالهم من قبل الملك. وأضاف بشكل حازم أنه بصفته وزيرا للعدل ونائبا للمجلس الأعلى للقضاء يعد مظاهرة القضاة بالبدل خرقا سافرا للقانون ومسا بوقار وكرامة القضاة وهيبتهم، مشيرا إلى أنه لا يمانع في أن يتظاهر القضاة في إطار من الوقار، لكن حرية التعبير تبقى، في رأيه، مقيدة بواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية. وأوضح الرميد أن الوزارة استطلعت آراء المسؤولين القضائيين من مختلف المحاكم المغربية، فأجمعوا على أن تظاهر القضاة بالبدل «تصرف غير لائق يمس بهيبة القضاء ووقاره»، وهناك من عده «سلوكا مشينا»، و«بدعة وفتنة» و«إهانة للقضاء»، بل هناك من عد تظاهر القضاة بالبدلة «تدنيسا لها». وردا على سؤال حول الإجراءات التي قد تتخذ في حق القضاة في حال أصروا على التظاهر بالبدل، تجنب الرميد الرد بشكل مباشر، وقال إنه «سيتقرر ما يتقرر». وأوضح الرميد أن الدستور ينص على أن الملك هو رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو الضامن لاستقلالية القضاء، فلا شيء إذن، برأيه، يبرر تظاهر القضاة في الشارع «فإذا كان هؤلاء، يضيف الوزير، يشعرون بأن هناك إخلالا باستقلالية القضاء، فما عليهم سوى طلب التحكيم الملكي بعد استنفاد آليات الحوار». وبشأن مطالب القضاة، قال الرميد إن الزيادات التي تقررت أخيرا في رواتب القضاة لم «تحدث في التاريخ من قبل»، وهي في مستوى الرواتب التي يتقاضاها القضاة في عدد من الدول الأوروبية، بيد أن نادي القضاة، يضيف الرميد «استبخس» هذه الزيادات، ويطالب بنظام رواتب استثنائي يتنافى مع نظام الرواتب المطبق في البلاد. وأضاف «من أراد أن يستقيم ويحكم بنزاهة فقد وفرت له الإمكانيات المالية لذلك». وفي السياق ذاته، انتقد وزير العدل اعتراض نادي القضاة على القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، على الرغم من أنه لم تجر المصادقة عليهما لا من قبل الحكومة ولا من قبل المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، ولم يحالا بعد إلى البرلمان، بل هما مجرد مسودتين قابلتين للمراجعة والتعديل. وقال الرميد إن تصعيد القضاة أهدافه انتخابية محضة ولا علاقة له بالأهداف المعلنة. وأضاف أن هذا التصعيد ليس سوى «حركات تسخينية» وتحضيرات للانتخابات المهنية استعدادا لتنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية «فهم يريدون أن يظهروا بمظهر المدافعين عن حقوق القضاة، وكأنهم فئة ضعيفة، في حين أنهم يمثلون سلطة مستقلة ورئيسهم هو الملك محمد السادس». وفسر الرميد لجوء القضاة إلى الاحتجاج بدل الحوار بأن الأمر مرتبط بالمزاج العام الذي ساد بعد «الربيع العربي»، والذي أثر كذلك على مزاج أصحاب مختلف المهن، مشيرا إلى أن أغلب المنتمين للنادي قضاة شباب.