×
محافظة المنطقة الشرقية

وفاة 15 وإصابة 49 إثر حريق هائل بفندق بالمدينة

صورة الخبر

فجأة، ودون مقدمات حل رئيس الائتلاف السيد أحمد الجربا ضيفاً على القيادة الروسية في موسكو بعد أن خرجت الجولة الأولى من مؤتمر جنيف 2 بخفي حنين، وكان استقباله في العاصمة الروسية لافتاً، رغم أن الدعوة قد وجهت للجربا منذ فترة ولم يرتأي تلبيتها إلا بعد أن تبين أن الجولة لم تكن في مستوى الأزمة فمنيت بالفشل بعد أن تحولت إلى منصة لتفريغ الشحنات السلبية بين المتحاورين، دون الوصول إلى نتائج يمكن لها وقف حمام الدم الذي يسيل في مختلف المناطق السورية ويدفع المواطن العادي حياته ثمناً لهذا الاحتراب الدموي الذي لا يبدو أن له نهاية، حتى الوقف المؤقت لإطلاق النار من أجل تمرير المساعدات الإنسانية للمنكوبين العالقين وسط الدمار وأولئك الذين فرض عليهم التهجير القسري من ديارهم. ربما وصل الائتلاف السوري المعارض إلى خلاصات مفادها أنه لم يكن حاضراً بكامل العناصر المعارضة، وخصوصا هيئة التنسيق الوطنية للتغيير التي يترأسها حسن عبدالعظيم وهيثم مناع الذي يشكل رقماً صعباً داخل الهيئة ووسط المعارضة السورية وبين فئات الشعب السوري، نظرا للمواقف المميزة التي أطلقها مناع ورفاقه، ونظرا لما قدمته عائلته من شهداء بلغ عددهم أكثر من 27 شخصاً من بداية الحراك السلمي في درعا قبل نحو ثلاث سنوات، فضلا عن الجرحى والمعتقلين، ما يضع المزاودة على هيثم مناع ضربا من العبث الذي لا طائل منه. ثم إن هيئة التنسيق وبسبب مواقفها الواضحة منذ البداية رفضت عسكرة الحراك وأصرت على أن يكون سلمياً رغم حجم الجراحات والقمع الذي تعرضت له المسيرات والاحتجاجات السلمية. لهذا كان على الائتلاف الذي أسهم في إبعاد هيئة التنسيق عن جلسات الجولة الأولى من جنيف2، أن يعيد الحسابات ويرمم العلاقة المنكسرة معها، فكان اللقاء مع رئيس الهيئة حسن عبدالعظيم الذي حصل بعد إنهاء الجربا زيارته لموسكو، حيث كان الهدف واضحاً يتمثل في توسيع مشاركة القوى السياسية المعارضة. ويبدو أن اللقاء بين زعيم الائتلاف ورئيس الهيئة قد جاء على شكل مقترح روسي مرره وزير الخارجية الروسي إلى رئيس الائتلاف بينما كان الطرفان على طاولة المباحثات. لكن ما هو مؤكد أن موسكو وبعد أن أعادت قراءة ما حصل لها في ليبيا، أصرت على أن يكون لها دور فاعل ورئيسي في الأزمة السورية، من ناحية رفضها المطلق لإسقاط النظام في دمشق كما رفضت إزاحة الرئيس السوري عن قمة هرم الحكم، أو من خلال علاقاتها المتينة مع إيران المتهمة بأنها جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل. هذا الوضع قاد روسيا إلى أن تلعب أدواراً مهمة، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع هذه الأدوار، خصوصاً وأن علاقاتها مع النظام السوري ليست وليدة الأزمة السورية، إنما تمتد لعقود طويلة، حيث تعتبر دمشق أن موسكو هي الحليف الأقوى بين حلفائها والبلد المؤثر في الأزمة وقد تكون الحلول بين ظهرانيها، حتى تبين للمراقبين والمتابعين للشأن الروسي أن موسكو قد حسمت أمرها وأعلنت تمسكها بما هو قائم. تريد روسيا أن تمسك بأكبر عدد من أوراق اللعبة في الأزمة السورية. فهي تمتلك علاقات قوية مع إيران التي تجاور جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت تشكل جزءا من الاتحاد السوفييتي قبل تفتته إلى جمهوريات بعضها متخاصم وبعضها متحارب مع جيرانه، والأكثرية منها التحقت بالأحلاف الغربية، الأمر الذي يوفر غطاء مهما لها. فروسيا اليوم، وبعد أن تأكد دورها المحوري في جنيف، تسعى إلى أقصى استفادة من الواقع الجديد الذي يمكن له أن يعيد تركيب العلاقات الدولية في منطقة تعتبر واحدة من أهم المناطق الجيوسياسية بالنسبة للعلاقات بين روسيا والغرب. لكن الغرب الذي لا يزال يتعاطى مع موسكو على أنها مهزومة في الحرب الباردة بدليل تفكك الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينات وغياب المطرقة والمنجل من العلم الروسي الجديد الذي جاء على حساب العلم السوفييتي المشهور بالمطرقة والمنجل تعبيرا عن ديكتاتورية البروليتاريا. والصحيح أيضا أن روسيا تريد أن يتأسس نظام عالمي جديد يقوم على توزيع النفوذ بين الدول الكبرى، بحيث تعيد دور الاتحاد السوفييتي المحوري إبان الحرب الباردة. ربما ترى روسيا في الأزمة السورية فرصة لإعادة تركيب أوراق النفوذ العالمي. فهي تتمتع بعلاقات مهمة مع لاعبين رئيسيين في الأزمة السورية هما إيران والنظام السوري، وحيث إن الموقع الاستراتيجي لسوريا يفتح على أبواب كثيرة في المشرق العربي، فإن إصرارها على أن يكون لها دور مفصلي في حل الأزمة لم يعد موقع جدال. بيد أن السؤال البارز هنا: هل تقدر روسيا على لعب دور الرافعة للجولة الثانية من حوارات جنيف2 بعيداً عن تأثير اللاعبين الآخرين وخصوصا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي؟ قد تكون روسيا واحدة من البلدان القليلة التي لم تتأثر كثيراً بالأزمة الاقتصادية والمالية العالمية بفضل حجم الإنتاج النفطي وتمتعها بثروات طبيعية أخرى وكونها دولة قارية قادرة على الاعتماد على ذاتها في كثير من القطاعات الاقتصادية المهمة. فهي تنتج 10.59 مليون برميل يومياً، كما أنتجت 668 مليار متر مكعب في 2013، وصدرت 206 مليارات متر مكعب بزيادة قدرها 10 بالمائة عن العام الذي سبقه، ويوجد بها الاحتياطي الأكبر في العالم من الغاز. وهي تعتبر ثالث أكبر منتج للكهرباء في العالم، وخامس أكبر منتج للكهرباء المتجددة وثاني أكبر احتياطي من الفحم، هي رابع أكبر منتج للطاقة النووية عالمياً. وفضلا عن النفط والغاز، لدى روسيا موارد طبيعية هائلة كالحديد، النيكل، الألماس، الفوسفات، الفضة، الرصاص، الذهب. كما أنها تحولت إلى مصدرة للحبوب بعد أن كانت تستورده، وتنتج منه أكثر من 90 مليون طن سنوياً، وتصدر نسبة كبيرة منه. هذه مواصفات دولة عظمى وليست دولة من العالم الثالث، ولا تجد اللعب معها إلا عبثاً، خصوصا إذا عرفنا أن الإنفاق على التسلح يأتي في المرتبة الثانية في الموازنة العامة للبلاد. لذلك عندما يجري الحديث عن تأثيرات روسيا في الأزمة السورية، فإنه ينبغي أن يؤخذ حجم الاقتصاد والثروات الطبيعية والسكان الذي يبلغ 143 مليون نسمة يعيشون على مساحة أكثر من 17.5 مليون كيلومتر مربع، كأكبر مساحة بين دول العالم، وتتمتع بثروة مائية هي الأعلى في العالم. ورغم كل ذلك إلا أن روسيا لا تعادل في اقتصادها إلا نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إذ يبلغ في روسيا أكثر من 2.5 تريليون دولار بقليل، مقابل أكثر من 30 تريليون دولار للاتحاد الأوروبي وأمريكا مجتمعين. لكن إصرار روسيا على لعب دور دولي، يضع لها الحساب في واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى، وهو الأمر الذي تلعب به موسكو. قد تكون روسيا قادرة على فعل مفصلي في الأزمة السورية، إلا أنها لا يمكن أن تلعب وحيدة، الأمر الذي يشير إلى أنها تسعى لقضم مزيد من النفوذ في ظل اللعبة الحالية ما يضع جميع الأطراف أمام حسابات أخرى غير تلك التي تم حسابها في أزمات أخرى. ما يمكن قوله هو إن روسيا متوثبة للعمل من أجل وضعها على خارطة العالم كدولة عظمى، لكنها تحتاج إلى كثير من الوقت لكي تتمكن من فرض إرادتها واعتراف الآخرين بقوتها، وهو تحد تجده موسكو قابلاً للتنفيذ مع القدرة الهائلة على ضبط النفس وخلق علاقات لحل الأزمة السورية التي تحولت إلى عبء حقيقي على المجتمع الدولي فضلا عن الخسائر الكبرى في الأرواح والممتلكات وتدمير البنى التحتية. موسكو يمكن لها أن تلعب دوراً أكبر في الأزمة السورية التي هي بوابة للنفوذ وإعادة تركيب المشهد العالمي، وليس جنيف2 إلا فصل في هذا المشهد.