×
محافظة الرياض

«التجارة» تُغلق مستودعاً لتخزين قطع غيار السيارات المقلدة جنوبي الرياض (صور)

صورة الخبر

قصتان لمعاناة فتاتين عربيتين إحداهما مصرية والأخرى سعودية هزتا الرأي العام قبل أيام. الأولى فتاة باعها أهلها بثلاثين دولاراً لأسرة مهاجرة إلى أمريكا، فلاقت صنوف العذاب في كنف أسرة متبنية حرمتها من حريتها ومن حقها في التعليم. فتاة في الثانية عشرة تعمل 12 ساعة يومياً في خدمة أسرة كاملة كسندريلا ثم تنام آخر الليل في مرآب السيارة. أما الفتاة الثانية فهي سعودية انتهزت فرصة سفرها مع والديها إلى خارج السعودية فسرقت جواز سفرها وسافرت إلى بلد أوروبي فراراً من معاملة أبٍ قاسٍ لم يرحم أنوثتها أو طفولة وبراءة إخوتها. في كلا الحالتين كانت الضحية أنثى خفية ظلت محجوبة عن عيون العالم وقتاً طويلاً! وربما هذا ما دعا الفتاة المصرية إلى تأليف كتاب سمته «الفتاة المختفية» أو «الفتاة المحجوبة عن الأعين»، الفتاة التي تتحرك في نطاق أسرة كاملة، وتتحرك وتأكل وتشرب وتنام ولكنها غير مرئية كنباتات الزينة.. كائن غير ملحوظ على الإطلاق وليس له أي احتياجات أكثر من ماء ومزهرية. في الحقيقة تزخر مجتمعاتنا العربية بالكائنات حبيسة المزهرية التي اعتدناها ولم نعد نشعر بوجودها أو بقيمتها، حتى إنه بات بالإمكان أن يدخل أحدهم بيت الآخر فيشهق من الدهشة «الله كم مزهريتكم رائعة..!» فيجيبه صاحب البيت بأريحية وسخاء «والله ما تطلع من عندي الا والمزهرية في يدك!». وحتى عنما تدلف المزهرية من البيت الأول إلى البيت الثاني ينالها نفس المصير.. مجرد نبتة خضراء داخل مزهرية تتفتح في صمت، تزهر في صمت، تسبح بصمت وتشرب رذاذ الماء في صمت. كثير من الآباء يعتقدون أن إنجابهم لأبنائهم يمنحهم صكوك ملكية لهم. ولا أحد يلومهم في ذلك لأنهم يفسرون بر الوالدين والإحسان إليهما بالطريقة التي تعلموها من سابقيهم. أيتها الأم أيها الأب: اضرب لحماً ولا تكسر ضلعاً، اجعل حنانك قاسياً ولا تدلل فالقسوة صانعة الرجال. ولكن في ظل علم الأبناء الآن بأدق خفايا حقوق الإنسان بات من الصعب بقاء الأبناء رهائن لأدوات التربية القديمة، الشبشب واللي الأحمر والكرباج، أدوات انتقلت من القرن الماضي إلى المتحف مع عربة الحمار وماطور الماء وقنديل الزيت. الآباء الآن في حاجة إلى جلسات ودورات تثقيفية توعوية، تفتح مداركهم وتوسع آفاقهم، وتحكي لهم قصة الإنسان الذي خلقه الله حراً في سلوكياته وخياراته ما لم يصدر عنه خطأ شائنا يعالجه الأبوان بروية وحكمة. في المقابل هناك دور مفقود لم يلعبه كثير من أفراد المجتمعات العربية الذين يصم غالبيتهم آذانهم عما يصلهم من استغاثات، وكأن بيوتنا محميات يعيش فيها كل والدين مع أبنائهما بمعزل عن بقية العالم. لقد قالت الفتاة المصرية التي عاشت سنوات في ذل عبودية والدين مزيفين إنها تشعر بالامتنان العميق للشخص المجهول الذي قام بإبلاغ «البوليس» عن حالتها فحررها من آلام وأوجاع يومية، لم تكن لتنتهي في نظرها أبد الدهر. فهل مجتمعنا قادر على التقاط تلك الاستغاثات ويعرف كيف يتعامل معها؟ مع الأسف لا. عندما قرأت خبر هروب الفتاة السعودية في وسائل التواصل كانت تعليقاتهم تكذب الخبر وتبرئ أسرة الفتاة وتنفي نفياً تاماً مجرد فكرة وجود فتاة سعودية معذبة على وجه الأرض. بل إن أغلب الذين استهجنوا تصرف الابنة التي فرَّت من العذاب إلى عذاب بلد آخر، كما قال الخبر، كنَّ فتيات في مثل عمرها وكان أغرب تعليق قرأته حول شروع الوالد في تقييد ابنه بالسلاسل وكأنه نعجة تساق إلى الذبح من فتاة علّقت تقول: «وش هالهدوء والرواقة بهالتربيط؟» وكأنها تبحث عن تربيطة درامية فيها سلخ وتقطيع ونحيب!! ثم تقول «كلنا انضربنا أشوف ما تعقدنا.. أنا إنسانة والله إن أمي كانت تضربني بالسلك إذا عاندتها أو راددتها والحين أمي مثل روحي ما أرضى عليها من نسمة الهوى.. بس احنا بزمن أعوذ بالله منه.. ما أقول إلا كان الله بعون أهلها اللي فضحتهم؟». أرأيتم..؟ ثمة فتاة كانت محجوبة عن الأعين تشرب الماء داخل مزهرية وتبكي.